Wednesday, January 11, 2012

كتاب: من أجل مقاربة جديدة لنقد القصة القصيرة جدا ( المقاربة الميكروسردية)

الفصل الثاني:




شروط القصة القصيرة جدا وسماتها الخارجية








للقصة القصيرة جدا مجموعة من الشروط التكميلية والثانوية تتعلق بالتناص والعنونة واستخدام المنظور السردي والتصوير البلاغي والالتفات والمستوى الدلالي.


المبحث الأول: المعيار المناصي:


* مقياس العنونة:


يستخدم كتاب القصة القصيرة جدا عناوين متنوعة لمجموعاتهم الإبداعية، فهناك الأنماط العنوانية التالية:
أولا: عناوين كلاسيكية تتناسب مع مضامينها مثل مجموعة وفاء الحمري :" بالأحمر الفاني"؛
ثانيا: عناوين مفارقة لاعلاقة لها بمضامين المجموعة لامن قريب ولا من بعيد إلا إذا استعملنا مشرح التأويل والانسجام مثل: " مظلة في قبر" لمصطفى لغتيري، و" الكرسي الأزرق" لعبد الله المتقي، و" أبراج" لحسن برطال، و" كيف تسلل وحيد القرن؟!" لمحمد تنفو...
ثالثا: عناوين لها علاقة جرئية بالمجموعة ، أي تشكل جزءا من كل مثل: " وقع امتداه...ورحل" للسعدية باحدة، و" تسونامي" لمصطفى لغتيري..؛
رابعا: عناوين لها علاقة كلية بالمجموعة مثل: " صريم" للحسين زروق؛
خامسا: عناوين رمزية كنائية مثل:" الخيل والليل" للحسين زروق؛
خامسا: عناوين متنية في شكل فراغ صامت أو عبارة عن علامات الترقيم أو أرقام عددية... كما هو حال متون :" أبراج" لحسن برطال أو قصة 151 للسعدية باحدة، أو حروف أبجدية كما هو شأن:" الضفة الأخرى" للبشير الأزمي ،
سادسا: عناوين صادمة وواخزة وغريبة ومجردة كقصص سعيد بوكرامي في مجموعته " الهنيهة الفقيرة" ؛
سابعا: عناوين مباشرة مثل عناوين مجموعة جميل حمداوي:"كتابات ساخرة"، وعناوين وفاء الحمري:" بالأحمر الفاني"؛
وعلى العموم، فعناوين القصة القصيرة جدا هي عناوين رمزية وموحية ومفارقة لاتعبر مباشرة عن نصوصها ومتونها، فهناك علاقات انزياحية غامضة مختلة بسبب خلخلة أفق انتظار القارئ.
فسعيد بوكرامي في مجموعته :" الهنيهة الفقيرة" مثلا لا يكتب قصصا عادية سطحية وكلاسكية ، بل هو يرسم لوحات تشكيلية تجريدية تذكرنا بلوحان بيكاسو وسلفادور دالي ولوحات تكعيبية يكعب فيها الكاتب الأمكنة والأزمنة والبشر المعلبين في الخانات الرقمية والحانات العبثية الضائعة، كما يكتب نصوصا شعرية موحية لا تعبر عن متونها إلا من باب الترميز والإشارة والإيحاء الدلالي والتأشير السيميولوجي.


* مقياس الانفتاح التجنيسي:


يعتبر الانفتاح الأجناسي من أهم خاصيات القصة القصيرة جدا ، حيث نجد هذه الكبسولة القصيرة تستوعب مجموعة من الأجناس الأدبية والفنون المجاورة كتشغيل اللقطة السينيمائية ولمحة الخاطرة وسخرية النادرة ولغز التنكيت والسرد القصصي والروائي والصورة التشكيلية والتوتر الدرامي.
بيد أن أهم انفتاح للقصة القصيرة جدا هو استيعابها لفن الشعر وتوظيف الشاعرية السردية أو ما يسمى عند إيف تادييه Yve Tadié بالمحكي الشاعري. ويعني هذا أن الكبسولة القصصية تنساق وراء الشاعرية الإبداعية بواسطة استخدام القالب الشعري واللغة الموحية والصور الشعرية الانزياحية كما في قصته " الغريب " ( ص: 41) التي تشبه قصيدة شعرية نثرية:


" في بلادنا شجرة وارفة الظلال..
جاء الغريب اشتراها، وطردنا بعيدا،
لنصطلي تحت نيران الشمس الحارقة..
بعد زمنن رحل الغريب..
مبنهجين عدنا إلى الشجرة، فلفحتنا ظلالها الحارقة"


نلاحظ في هذه القصة القصيرة جدا تعدد الأسطر القصصية ذات الطبيعة الشعرية واستعمال التوازي ، وتشغيل المحكي الشاعري من خلال المزاوجة بين صور المجاورة وصور المشابهة، وتوظيف الرموز المكثفة. ومن ثم، فالقصيدة تشبه إلى حد كبير قصائد الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان التي تستدعي فيها الشاعرة خطاب المقاومة والتحدي والصمود والكفاح بكتابة شعرية نثرية قصصية متفاوتة الأسطر والجمل الشعرية.
كما يستند هذا الجنس الأدبي الجديد إلى توظيف مجموعة من الأجناس الأدبية الأخرى كالسينما كما نجد ذلك في قصة :" الإخراج والإدخال" لمحمد شويكة ، وفن الخاطرة كما في قصة سعيد بوكرامي: "السدرة":
" تتوقف:
- لماذا تفتش رسائلي؟
كخطوات غامضة في اتجاه بيت مهجور تأتي.
أتقيأ هنا.اسقط هناك.
- مادخلك أنت بأسراري؟
لاتفتح صدرها لأحد. بنك سويسري تسيجه أجهزة الإنذار. قد تكشف بعضها في جلسة. لكنها مجرد أحلام يقظة مشفرة.
تغادر:
- الولادة لاتنحني في النهار. قد تنام في غسق الخوف. لكنها تصحو، وإن داهمتها الرياح."
-
وتنفتح القصة القصيرة جدا كذلك على الأحجية كما في قصة إبراهيم الحجري:" أحجية":


" حجيتك مجيتك على التي شعرها أصفر، ورأسها أسود، تأكل ولا تشبع. تصد ولاتصد. تقوم والناس نيام. نحب مشي الزحام. نصول وتجول. أكلها بيض الغول. ربيبها نسر وزوجها صقر. تلبس الوهم وتتصيد الهم. حبها عطش وسفرها بطش.
ترى من تكون؟
إذا لم تجد حلا للأحجية، اعط حمارك، واتصل بي على :ohjya@gmail.com"


وعلى أي، فالقصة القصيرة جدا منفتحة على كل الأجناس الأدبية والفنية تستفيد من التشكيل والمسرح وأدب التلغيز والتنكيت والإخبار.

No comments:

Post a Comment