Wednesday, January 11, 2012

كتاب: من أجل مقاربة جديدة لنقد القصة القصيرة جدا ( المقاربة الميكروسردية)

المبحث الثاني: المستوى المناصي:


يرتبط المستوى المناصي بدراسة العتبات والملحقات التي تحيط بالقصة القصيرة جدا على المستوى الداخلي أو الخارجي، ومن هذه العتبات نذكر: العنوان، والتعيين الجنسي، والحواشي، والهوامش، والصور، والإهداء، والأيقون، واللوحات التشكيلية، والفهرسة، والحوارات، والقراءات، والشهادات، والمذكرات....
وتسعفنا هذه العتبات والملحقات في فهم النص القصصي وتأويله أو تفكيكه وتركيبه قصد الوصول إلى البنيات الدلالية الثاوية في أعماق النص الإبداعي.
وإليكم نموذجا من دراسة مناصية أنجزناها في مقاربة مجموعة :"نزف من تحت الرمال" للكاتب السعودي المتميز حسن بن علي البطران:


" * عتبة المؤلف:


يعتبر حسن بن علي البطران من أهم كتاب القصة القصيرة جدا في المملكة العربية السعودية إلى جانب طاهر الزارعي، ومشعل العبدلي، وأميمة البدري، وعلي حمود المجنوني، ونورة شرواني، وتركي الرويتي، وجابر عامر عوض الشهدي، وسهام العبودي، وآخرين....
وقد أعد حسن بن علي البطران مجموعة قصصية تنتمي إلى القصة القصيرة جدا بعنوان:" نزف من تحت الرمال"، وتضم أربعا وثمانين قصيصة تتسم بالتجريد الدلالي ، والمجاز البلاغي، والغموض الفني المقصود ، وتشغيل الرموز الموحية، والتأرجح بين التعيين والتضمين أو بين التقرير والإيحاء. كما تتوجه هذه المجموعة القصصية أيضا إلى الإدهاش واستعمال خطاب الغموض الناتج عن الإيغال في الترميز واستعمال الدوال المضمرة وتشبيك الدلالات النصية وتعقيدها عبر الكثافة المجازية وتجويع الألفاظ وإشباع المعاني.


* عتبة العنوان:




إذا تأملنا عنوان المجموعة ( نزف من تحت الرمال) التي كتبها حسن بن علي البطران، فنجده يتكون من أربع مونيمات ( كلمات) لفظية وهي: نزف - من - تحت – الرمال، وقد صيغت في إطار الجملة الاسمية. ومن ثم، فكلمة (نزف ) خبر لمبتدإ محذوف تقديره هذه نزف، وبعد هذا الإسناد الاسمي ننتقل إلى شبه الجملة التي يتحكم فيها حرف الجر(من) الذي يفيد الانطلاق والبداية . وبعدها نلفي المركب الظرفي الذي يتكون من (تحت ) والمضاف إليه (الرمال). ويعني هذا أن العنوان يتألف تركيبيا من جملة الإسناد وشبه الجملة والمركب الظرفي، كما يتألف دلاليا من الحدث(نزف)، والمكان ( من – تحت)، والمكون الشيئي (الرمال). أما بلاغيا، فيتسم العنوان بشحنة الانزياح والخرق والترميز والإيحاء.
ونخلص من كل هذا أن هذه القصص ماهي إلا معاناة إنسانية وآلام متقدة نابعة من أعماق الأرض الصلدة ورمالها الجافة المحترقة التي تؤشر على العذاب الإنساني وتمزقه الوجودي وذوبانه كينونيا ، وتدل أيضا على مصيره السيزيفي العابث. وبالتالي، فالكاتب يصور شروخ الإنسان السعودي ومكابداته الذاتية والموضوعية في صراعه مع المحيط الواقعي المحبط والمهترىء الذي يفتقد إلى القيم الإنسانية الأصيلة.
ينطلق الكاتب، إذاً، من رؤية سوداوية حزينة إلى العالم قوامها الترنح والتألم من شدة الاحتراق والاكتواء المكاني. أي يعاني الكاتب من الاغتراب الذاتي والمكاني في فضاء جاف مترهل وعالم قاحل ذبلت فيه القيم الإنسانية وماتت فيه العواطف البشرية.


* عتبة التجنيس:


تندرج هذه المجموعة الإبداعية ضمن القصة القصيرة جدا التي تعتمد على إجاعة اللفظ وإشباع المعنى، ويعني هذا أن القصة القصيرة تقتصد في الألفاظ وتوسع في المعاني. لذا، يلاحظ القارئ المتمرس أن هذا الجنس الأدبي يتسم بقصر الحجم وقلة الأسطر وتكثيف الرؤية والتقليص من عدد الألفاظ والكلمات والعبارات من أجل تمطيط المعاني وخلق الإيحاءات الدلالية وتوسيعها عبر الإحالات الرمزية والكنائية والمرجعية.
وتنطبق كل هذه الصفات والمواصفات على قصص حسن بن علي البطران الذي أبدع لنا مجموعة من النصوص القصصية القصيرة التي كتبها بطريقة رمزية وشاعرية منتهجا طريقة القصيدة النثرية في الاقتصاد والتراكب والتتابع وترصيف الكلمات والعبارات السردية وتنضيدها بطريقة انزياحية موحية ثرية بالإيقاعات المتجاوبة والمتنافرة."


وعليه، فالمستوى المناصي مهم جدا في استنطاق العتبات الداخلية والخارجية لتأويل دلالاتها واستقراء أبعادها الجمالية والفنية والمرجعية والمقصدية.

No comments:

Post a Comment