Wednesday, January 11, 2012

كتاب: من أجل مقاربة جديدة لنقد القصة القصيرة جدا ( المقاربة الميكروسردية)

المبحث الخامس: المعيار المعماري:


1- مقياس البداية والجسد والقفلة:


تتركب القصة القصيرة جدا من حيث البناء المعماري كما هو معروف من أجزاء ثلاثة أساسية، وهي: البداية والجسد والنهاية. ويلاحظ أن بين هذه الأجزاء علاقات ترابط واتساق وانسجام، فأي إخلال بجزء أو عضو ما، فإنه بلا محالة سيؤثر بالسلب على باقي الأعضاء الأخرى .


أ- البداية القصصية:


ينبغي للمبدع أن يجود استهلال قصته القصيرة جدا، و يختار البداية الموفقة، فيختار لها الأدوات المناسبة للاستهلال أو يدخل مباشرة إلى الأحداث اقتضابا واختصارا وتكثيفا وتركيزا. وعلي المبدع أيضا أن يبتعد قدر الإمكان عن المقدمات الإنشائية المستهلكة أو المجترة ، مثل: ذات يوم، وفي يوم من الأيام، وفي الصباح الباكر...
وترد مجموعة من البدايات في القصة القصيرة جدا، ويمكن تصنيفها بالشكل التالي:


- البداية التأملية: مثل: جلست تتأمل قطعة الحجارة الملساء.
- البداية الشاعرية: يومض البرق، فيشق نوره جليد السواد...
- البداية الحلمية: حليم طفل ككل الأطفال يحلم بسيارة وطائرة وسروال دجين وكاميو مثل كاميو عمه...
- البداية السببية: لأنه جائع... رسم الطفل على الورقة تفاحة...
- البداية الزمانية: عاشرتها سنوات طويلة.
- البداية المكانية: في قمة الجبل كان جالسا جلسة الحكماء.
- البداية الحدثية: خرج عازما على اقتناص حمامة يتلذذ بها حساء.
- البداية الوصفية: الجو هذه الأيام ، شديد التقلب.
- البداية الشخوصية: ما إن ألقى المدير نظرة على الورقة حتى صاح فيه..
- البداية الحوارية: قالت الطفلة الصغيرة وهي تقهقه وتضغط بقوة على يد أمها..........
- البداية الحكائية: يحكى في جديد الزمان وآني العصر والأوان.


ب- الجسد القصصي:


يمكن القول: إن ثمة ثلاثة أنواع من أجساد القصة القصيرة جدا: أولا: الجسد القصصي القصير وينبغي ألا يتعدى بعض الجمل القليلة جدا؛
ثانيا: الجسد القصصي المتوسط قد يتخذ خمسة أسطر أو نصف الصفحة على أكبر تقدير.
ثالثا: الجسد القصصي الطويل الذي يتعدى الصفحة أو يقترب في صياغته الحكائية من نفس القصة القصيرة أو من نفس الرواية أو نفس المسرحية أو الشعر .
ويمكن القول أيضا: إن هناك جسدا قصصيا مقتضبا ومختزلا، وجسدا قصصيا متناميا ومتصاعدا.




ج- القفلة القصصية:


تسمى الخاتمة بالنهاية أو القفلة أو الخرجة، وهي مهمة في تركيب القصة القصيرة جدا، فكثيرا ما نسمع نصوصا في هذا الجنس الأدبي المستحدث، ولا نحس بتاتا بالخاتمة إلى أن يتوقف الكاتب عن قراءة القصة، فنصفق له إما تملقا وإما تشجيعا وإما إشادة.
لذا، لابد أن يجود الكاتب خاتمته ويستحسن أن تكون مفاجئة وصادمة وخيبة لأفق انتظار القارئ، وأن تكون واخزة ومحيرة ومدهشة ومربكة. ويستحسن أن يتجنب الكاتب النهايات المستهلكة مثل: وأخيرا، وفي النهاية...
وللقفة أنماط تركيبية عدة يمكن حصرها في هذه الأنواع التالية:


- الخاتمة الكلاسيكية: أخيرا... كتبت قصة قصيرة جدا.
- الخاتمة الشاعرية: فتتجمع جحافل الأمطار.
- الخاتمة التراجيدية: بحثت عنها في كل مكان، فلم تجدها.
- الخاتمة السعيدة: كانت السعادة تغمرها وهي تنتظر بشوق...
- الخاتمة المفتوحة: أيهما تصدق؟ وحي الليل الجميل أم محو النهار الجارح؟
- الخاتمة المغلقة: يفتح الطفل عينيه خائفا.
- الخاتمة الحوارية: قالت: ما أحببتك إلا لأن في شيئا منك...
- الخاتمة الحدثية: وصفر القطار معلنا وقت الرحيل.
- خاتمة التلقي: هل أغرتك هذه اللعبة؟ مارسها عزيزي القارئ وسترى!
- الخاتمة الزمانية: منذ ذلك اليوم، تعاهدت يده وعقله على أن لا يخضعا أبدا لإرادته.
- الخاتمة المكانية: وبقي وحيدا في تلك الجزيرة الطافحة...
- الخاتمة الوصفية: جندي شاب مفتول العضلات ، حاد النظرات، بجانبه طفلة جميلة تنظر إلى الأرض وهي تمسك بذيل فستانها الأبيض الطويل.
- الخاتمة المضمنة:" أخيرا، سلمت الأستاذ ورقة تحريرها.ارتسمت على شفتيه شبه ابتسامة وهو يقرأ ماكتبته في أعلى الصفحة بخط عريض أحمر:" باسم الله الرحمن الرحيم، عليه توكلت وهو المعين".
- الخاتمة الصامتة: على إيقاع الضجيج الذي أحدثه أطلت الزوجة من كوة النافذة...قالت...
- الخاتمة الصادمة: يرفض الأكل...يقف.. .برفض الذهاب إلى المدرسة يخرج إلى الشارع يجمع الحجر ويستعد...
- الخاتمة الساخرة: كل هذه الأيام وأنت تقرا القصص القصيرة جدا...؟؟
- الخاتمة الخرجة: آش باغي... باغي قنبولة...بحال اللي كاتبان ف التليفزيون
- الخاتمة الملغزة: جاء الكسال دعك أطرافه جره جذبه ثناه طواه حمله وضعه أسنده كتم أنفاسه أفرغ عليه الماء وخرج التفت وجد نفسه بدون....
- الخاتمة المفارقة: مرة أوقفه أبوه، ضربه (الطفل الصغير) على قفاه، طلب منه النزول...مع تسليمه سوارت كاميو.


2- مقياس التركيب الحدثي:


يمكن الحديث عن أنواع من التركيب الحدثي على مستوى التنامي والتصاعد وتعاقب الأفعال والأحداث سببيا وكرونولوجيا، ومن أنواع هذه التراكيب الحدثية نذكر:


أ - التركيب الدائري:


تتوفر بعض القصص القصيرة جدا على بنية تركيبية دائرية مثل قصة: " تجربة":" فتح باب القفص، فارتعش العصفور، وخرج للتحري، بعد بضع جولات جاع، فبحث عن قفصه"


ب- التركيب السهمي الصاعد:


نجد في كثير من القصص القصيرة جدا البنية السهمية التي تنطلق من نقطة بدائية في الحاضر لتتجه نحو المستقبل عبر مجموعة من الأفعال والأحداث المتعاقبة والمتسلسلة تسلسلا منطقيا وزمنيا مثل قصة الكاتبة السورية ابتسام شاكوش:" تحرر":
" وقفت تخطب على المنابر، حضرت اجتماعات، سارت في مظاهراتـ تحدت، ناقشت، أثارت قضايا، طرحت حلولا... وفي أول سانحة دخلت منزل الزوجية الدافئ، وألقت عبء تحرر المرأة على الأجيال القادمة"


ج- التركيب السهمي الهابط:


لانلاحظ في هذه الحالة تتابع الأفعال، بل نلاحظ تراجعا من الحاضر نحو الماضي هبوطا ونزولا كما في قصة: "فيزا":
" سمع ابنه يقرأ رحلات ابن بطوطة
تذكر وقوفه الطويل أمام تلك الإدارات
وكل تلك الأوراق..
وكل تلك الضمانات...
تنهد بعمق وقال:
- كم كانت الفيزا سهلة!"


وعليه، فهناك أنواع عدة من التركيب الحدثي تستنبط من خلال قراءتنا للنصوص القصصية القصيرة جدا عن عمق ووعي جديين.

No comments:

Post a Comment