Saturday, August 4, 2012

القصة القصيرة جدا جنس أدبي جديد بقلم الدكتور جميل حمداوي

الدكتور جميل حمداوي 
القصة القصيرة جدا جنس أدبي جديد بقلم الدكتور جميل حمداوي 
القصة القصيرة جدا جنس أدبي جديد الدكتور جميل حمداوي 
تمهيـــد أولـــــي: ظهرت القصة القصيرة في العالم العربي منذ منتصف القرن الماضي استجابة لمجموعة من الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية المعقدة والمتشابكة التي أقلقت الإنسان وما تزال تقلقه وتزعجه ولا تتركه يحس بنعيم التروي والاستقرار والتأمل، ناهيك عن عامل السرعة الذي يستوجب قراءة النصوص القصيرة جدا والابتعاد عن كل ما يتخذ حجما كبيرا أو مسهبا في الطول نسبيا كالقصة القصيرة والرواية والمقالة والدراسة والأبحاث الأكاديمية.... كما لم تترك المرحلة المعاصرة المعروفة بزمن العولمة والخوصصة والاستثمارات الاقتصادية الهائلة والتنافس إنساننا الحالي ولاسيما المثقف منه مستقرا في هدوئه وبطء وتيرة حياته ، بل دفعته إلى السباق المادي والحضاري والفكري والإبداعي قصد إثبات وجوده والحصول على رزقه؛ مما أثر كل هذا على مستوى التلقي والتقبل والإقبال على طلب المعرفة، فترتب عن ذلك ظاهرة العزوف عن القراءة ، وأصبح الكتاب يعاني من الكساد والركود لعدم إقبال الناس عليه، كما بدأت المكتبات الخاصة والعامة تشكو من الفراغ لغياب الراغبين في التعلم وطلبة القراءة والمحبين للعلم والثقافة. هذا، ولقد تبلور هذا الجنس الأدبي الجديد- على حد علمي- في العراق ودول الشام وبالضبط في سورية وفلسطين، ودول المغرب العربي وخاصة في المغرب وتونس على حد سواء. إذاً، ماهو هذا الجنس الأدبي الجديد؟ وماهي خصائصه الدلالية والفنية والتداولية؟ وماهي أهم النماذج التي تمثل هذا المولود الجديد في عالمنا العربي؟ تلكم هي الأسئلة التي سوف نحاول رصدها في مقالنا هذا. 1- تعريف القصة القصيرة جدا: القصة القصيرة جدا جنس أدبي حديث يمتاز بقصر الحجم والإيحاء المكثف والنزعة القصصية الموجزة والمقصدية الرمزية المباشرة وغير المباشرة، فضلا عن خاصية التلميح والاقتضاب والتجريب والنفس الجملي القصير الموسوم بالحركية والتوتر وتأزم المواقف والأحداث، بالإضافة إلى سمات الحذف والاختزال والإضمار. كما يتميز هذا الخطاب الفني الجديد بالتصوير البلاغي الذي يتجاوز السرد المباشر إلى ماهو بياني ومجازي ضمن بلاغة الانزياح والخرق الجمالي. 2- تعدد التسميات والمصطلحات: أطلق الدارسون على هذا الجنس الأدبي الجديد عدة مصطلحات وتسميات لتطويق هذا المنتوج الأدبي تنظيرا وكتابة و الإحاطة بهذا المولود الجديد من كل جوانبه الفنية والدلالية، ومن بين هذه التسميات: القصة القصيرة جدا، ولوحات قصصية، وومضات قصصية، ومقطوعات قصيرة، وبورتريهات، وقصص، وقصص قصيرة، ومقاطع قصصية، ومشاهد قصصية، و الأقصوصة، وفقرات قصصية، وملامح قصصية، وخواطر قصصية، وإيحاءات،والقصة القصيرة الخاطرة، و القصة القصيرة الشاعرية، والقصة القصيرة اللوحة.، والقصة اللقطة، والكبسولة، والقصة البرقية، وحكايات... وأحسن مصطلح أفضله لإجرائيته التطبيقية والنظرية، و أتمنى أن يتمسك به المبدعون لهذا الفن الجديد وكذلك النقاد والدارسون، هو مصطلح القصة القصيرة جدا ؛ لأنه يعبر عن المقصود بدقة مادام يركز على ملمحين لهذا الفن الأدبي الجديد وهما: قصر الحجم والنزعة القصصية. 3- موقف النقاد والدارسين من القصة القصيرة جدا: يلاحظ المتتبع لمواقف النقاد والدارسين والمبدعين من جنس القصة القصيرة جدا أن هناك ثلاثة مواقف مختلفة وهي نفس المواقف التي أفرزها الشعر التفعيلي والقصيدة المنثورة و يفرضها كل مولود أدبي جديد وحداثي؛ مما يترتب عن ذلك ظهور مواقف محافظة تدافع عن الأصالة وتتخوف من كل ماهو حداثي وتجريبي جديد، ومواقف النقاد الحداثيين الذين يرحبون بكل الكتابات الثورية الجديدة التي تنزع نحو التغيير والتجريب والإبداع والتمرد عن كل ماهو ثابت، ومواقف متحفظة في آرائها وقراراتها التقويمية تشبه مواقف فرقة المرجئة في علم الكلام العربي القديم تترقب نتائج هذا الجنس الأدبي الجديد، وكيف سيستوي في الساحة الثقافية العربية ، وماذا سينتج عن ظهوره من ردود فعل، ولا تطرح رأيها بصراحة إلا بعد أن يتمكن هذا الجنس من فرض وجوده ويتمكن من إثبات نفسه داخل أرضية الأجناس الأدبية وحقل الإبداع والنقد. وهكذا يتبين لنا أن هناك من يرفض فن القصة القصيرة جدا ولا يعترف بمشروعيته لأنه يعارض مقومات الجنس السردي بكل أنواعه وأنماطه، وهناك من يدافع عن هذا الفن الأدبي المستحدث تشجيعا وكتابة وتقريضا ونقدا وتقويما قصد أن يحل هذا المولود مكانه اللائق به بين كل الأجناس الأدبية الموجودة داخل شبكة نظرية الأدب. وهناك من يتريث ولا يريد أن يبدي رأيه بكل جرأة وشجاعة وينتظر الفرصة المناسبة ليعلن رأيه بكل صراحة سلبا أو إيجابا. وشخصيا ، إني أعترف بهذا الفن الأدبي الجديد وأعتبره مكسبا لاغنى عنه، وأنه من إفرازات الحياة المعاصرة المعقدة التي تتسم بالسرعة والطابع التنافسي المادي والمعنوي من أجل تحقيق كينونة الإنسان وإثباتها بكل السبل الكفيلة لذلك. 3- أعمال منشورة ولقاءات حول القصة القصيرة جدا: انصبت دراسات كثيرة على فن القصة القصيرة جدا بالتعريف والدراسة والتقويم والتوجيه، ومن أهمها كتاب أحمد جاسم الحسين"القصة القصيرة جدا/1997م"، وكتاب محمد محيي الدين مينو" فن القصة القصيرة، مقاربات أولى/2000م"، دون أن ننسى الدراسات الأدبية القيمة التي دبجها كثير من الدارسين العرب وخاصة الدكتور حسن المودن في مقاله القيم" شعرية القصة القصيرة جدا" المنشور في عدة مواقع رقمية الكترونية كدروب والفوانيس...ومحمد علي سعيد في دراسته " حول القصة القصيرة جدا" ، وحسين علي محمد في" القصة القصيرة جدا، قراءة في التشكيل والرؤية"،وعدنان كنفاني في" القصة القصيرة جدا، إشكالية في النص أم جدلية حول المصطلح...!"، والدكتور يوسف حطيني في" القصة القصيرة جدا عند زكريا تامر" و إبراهيم سبتي في" محنة القصة القصيرة جدا" ، علاوة على مقالات ودراسات أخرى منشورة هنا وهناك و التي تناولت القصة القصيرة جدا بمقاربات تجنيسية وتاريخية وفنية . وعقدت منتديات ولقاءات ومؤتمرات وندوات وسجالات حوارية ومسابقات عديدة، و أعدت أيضا ملفات ركزت على فن القصة القصيرة جدا قصد التعريف بهذا الفن الوليد وتقويمه سلبا وإيجابا وتوجيه كتابه توجيها صحيحا. 4- تطور القصة القصيرة جدا وجذورها التاريخية: إذا أردنا تتبع تطور فن القصة القصيرة جدا سنجد أنه منتوج إبداعي أوربي ظهر في القرن العشرين مع كتاب الرواية الجديدة الذين مالوا إلى التجريب والتثوير وتغيير بنية السرد من أجل تأسيس حداثة قصصية وروائية جديدة. وهكذا تفاجئنا نتالي ساروت Nathalie Sarraute الكاتبة الفرنسية بأول نص قصصي قصير جدا بعنوان( انفعالات) عام 1932م ، وكان أول بادرة موثقة علميا لبداية القصة القصيرة جدا، وأصبحت هذه المحاولة نموذجا يحتذى به في الغرب . وترجم هذا النص الإبداعي الجديد في السبعينيات من القرن العشرين، فبدأت الصحف والمجلات العربية المتخصصة في فن القص تتأثر بكتابة نتالي ساروت وتستلهم تقنيات السرد الموظفة لديها. وقد انتقل هذا التأثير إلى دول أمريكا اللاتينية التي ازدهر فيها فن القصة القصيرة لعوامل ذاتية وموضوعية، ومن أهم كتابها خوليو كورتاثار وخوان خوصي أريولا وخوليو طوري وأدولفو بيوي كاسارس وإدواردو غاليانو وخابيير تومبو و بورخيس وإرنستو ساباتو وروبرتو بولانيو وخوسي دونوسو وفيكتوريا أوكامبو وخوان بوش وأوغيستو مونتيروسو وبيخيلبو بينيرا وفلسبرتو هرنانديث وآخرون كثيرون... ويمكن أن نجد لفن القصة القصيرة جدا جذورا عربية تتمثل في السور القرآنية القصيرة والأحاديث النبوية وأخبار البخلاء واللصوص والمغفلين والحمقى وأحاديث السمار والنكت والأحاجي والألغاز ونوادر جحا... ومن ثم، يمكن أن نعتبر الفن الجديد امتدادا تراثيا للنادرة والخبر والنكتة والقصة والحكاية، وفي العصر الحديث امتدادا للقصة القصيرة التي خرجت من معطف گوگول. هذا، وقد ظهرت القصة القصيرة جدا في أدبنا العربي الحديث حسب المعلومات التي بين أيدينا منذ الأربعينيات من القرن العشرين عندما نشر القاص اللبناني توفيق يوسف عواد مجموعته القصصية ( العذارى) عام 1944م، واحتوت على قصص قصيرة جدا، لكنه سماها" حكايات". وفي نفس الفترة سينشر المحامي العراقي يوئيل رسام قصصا قصيرة جدا كما يقول الناقد باسم عبد الحميد حمودي، فعد ذلك بداية لظهور هذا الفن في العراق...ثم تلاحقت الأجيال التي تكتب القصة القصيرة جدا في العراق، وكثر الإنتاج ما بين عقد الستين وعقد السبعين. فانتشرت قصص قصيرة جدا في البلاد مع الكاتب العراقي الفذ شكري الطيار الذي نشر الكثير من نصوصه آنذاك في الصحف والمجلات العراقية وخاصة مجلة "الكلمة" التي توقفت سنة 1985م،كما أوردت بثينة الناصري في مجموعتها القصصية ( حدوة حصان) الصادرة عام 1974م قصة سمتها(قصة قصيرة جدا)، ونشر القاص خالد حبيب الراوي خمس قصص قصيرة جدا ضمن مجموعته ( القطار الليلي) الصادر عام 1975م ونشرها عبد الرحمن مجيد الربيعي في نفس الفترة، كما كتب الأديب هيثم بهنام بردى قصتها الأولى سنة 1977م بعنوان(صدى)، و نذكر كذلك ضمن اللائحة جمعة اللامي وأحمد خلف وإبراهيم أحمد.... ويتبين لنا من كل هذا أن ولادة فن القصة القصيرة جدا كانت ولادة عراقية على غرار ولادة قصيدة التفعيلة مع بدر شاكر السياب ونازك الملائكة. ولكن على الرغم من ذلك، فإن القصة القصيرة جدا لم تتبلور باعتبارها جنسا أدبيا جديدا ولم تثر الجدال الفكري والإبداعي حول الاعتراف بمشروعيتها في ساحتنا الثقافية إلا مع بداية التسعينيات من القرن العشرين في دول الشام وخاصة سوريا ودول المغرب العربي بما فيها المغرب الأقصى وتونس. و من الأسباب الحقيقية وراء ظهور هذا الفن القصصي الجديد في عالمنا العربي وتيرة الحياة السريعة وإكراهات الصحافة والغزو الإعلامي الرقمي والإلكتروني والمثاقفة مع الغرب وترجمة نصوص القصاصين الغربيين وكتاب أمريكا اللاتينية والميل إلى كل ماهو سريع وخفيف والميل إلى الإيجاز والاختصار؛ لأن الكلام عند العرب وبلغائهم وفصحائهم ما قل ودل وطابق المقال المقام وراعى الكلام مقتضى الحال. 5- رواد القصة القصيرة جدا: ومن أهم رواد القصة القصيرة جدا نستحضر من فلسطين الشاعر والقصاص فاروق مواسي... ومن سوريا المبدع زكريا تامر، ومحمد الحاج صالح، وعزت السيد أحمد، وعدنان محمد، ونور الدين الهاشمي، وجمانة طه، وانتصار بعلة ،ومحمد منصور، وإبراهيم خريط، وفوزية جمعة المرعي. ومن العراق شكري الطيار وإبراهيم سبتي، وبثينة الناصري،وخالد حبيب الراوي، وهيثم بهنام بردى الذي كتب عدة مجموعات قصصية ضمن هذا الفن الجديد كمجموعته " حب مع وقف التنفيذ" سنة 1989م، و"الليلة الثانية بعد الألف" سنة 1996م، و"عزلة أنكيدو" سنة 2000م.... ومن المغرب نذكر حسن برطال في مجموعة من أقاصيصه المتميزة بالروعة الفنية وهي منشورة في عدة مواقع رقمية وخاصة موقع دروب ، وسعيد منتسب في مجموعته القصصية ( جزيرة زرقاء 2003م)، وعبد الله المتقي في مجموعته القصصية( الكرسي الأزرق 2005م)، وفاطمة بوزيان في كثير من لياليها وكتاباتها الرقمية المتنوعة، ومحمد فاهي وعز الدين الماعزي الذي كتب بدوره مجموعة من النصوص الساخرة في موقع دروب الرقمي والتي لها توجه اجتماعي وسياسي ينتقد فيها الواقع المغربي بكل تناقضاته المفارقة .... ومن تونس لابد من ذكر الكاتب الروائي والقصاص المقتدر إبراهيم درغوثي الذي كتب مجموعة من النصوص القصيرة جدا في عدة مواقع رقمية كقصصه "حب مجانين" في موقع أدب فن... ومن الجزائر نذكر عبد القادر برغوث الذي كتب مجموعة من النصوص القصصية القصيرة جدا في عدة مواقع رقمية ولاسيما في موقع إيلاف(26/12/2006م)... ومن السعودية لابد من استحضار فهد المصبح في مجموعته القصصية(الزجاج وحروف النافذة)... 6- الخصائص الفنية والشكلية: تعرف القصة القصيرة جدا بمجموعة من المعايير الكمية والكيفية والدلالية والمقصدية والتي تحدد خصائصها التجنيسية والنوعية والنمطية: أ‌- المعيار الكمــــــي: يتميز فن القصة القصيرة جدا بقصر الحجم وطوله المحدد، ويبتدئ بأصغر وحدة وهي الجملة كما في قصة المغربي حسن برطال"حب تعسفي": " كان ينتظر اعتقالهما معا...لتضع يدها في يده ولو مرة واحدة"، إلى أكبر وحدة قد تكون بمثابة فقرة أو مقطع أو مشهد أو نص كما عند فاروق مواسي وسعيد منتسب وعبد الله المتقي وفاطمة بوزيان. وغالبا لا يتعدى هذا الفن الأدبي الجديد صفحة واحدة كما عند زكريا تامر وإبراهيم درغوثي وحسن برطال في "ماسح الأدمغة" و"كلاب الگرنة". وينتج قصر الحجم عن التكثيف والتركيز والتدقيق في اختيار الكلمات والجمل والمقاطع المناسبة واجتناب الحشو والاستطراد والوصف والمبالغة في الإسهاب والرصد السردي والتطويل في تشبيك الأحداث وتمطيطها تشويقا وتأثيرا ودغدغة للمتلقي. ونلاحظ في القصة القصيرة جدا الجمل القصيرة وظاهرة الإضمار الموحي والحذف الشديد مع الاحتفاظ بالأركان الأساسية للعناصر القصصية التي لايمكن أن تستغني عنها القصة إلا إذا دخلت باب التجريب والتثوير الحداثي والانزياح الفني. ب‌- المعيار الكيفـــي أو الفنــي: يستند فن القصة القصيرة جدا إلى الخاصية القصصية التي تتجسد في المقومات السردية الأساسية كالأحداث والشخصيات والفضاء والمنظور السردي والبنية الزمنية وصيغ الأسلوب، ولكن هذه الركائز القصصية توظف بشكل موجز ومكثف بالإيحاء والانزياح والخرق والترميز والتلميح المقصدي المطمعم بالأسلبة والتهجين والسخرية وتنويع الأشكال السردية تجنيسا وتجريبا وتأصيلا. وقد يتخذ هذا الشكل الجديد طابعا مختصرا في شكل أقصوصة موجزة بشكل دقيق في أحداثها كما في مقطع حسن برطال من نص:﴿ حرب البسوس﴾: " السهام تنطلق...تضرب... الحناجر تصيح...﴿ حبي ليك...يابلادي، حب فريد...﴾ السهام تضرب... الأيادي تتشابك...﴿ حبي ليك...يابلادي،حب عنيف...﴾ السهام تضرب... الأجساد تتناطح...﴿ الحب الغالي...ما تحجبو الأسوار...﴾ انتهت المعركة...جثث هنا وهناك...صمت... جسد تحرك...لازالت فيه روح...حمل اللواء ثم قال: - باسمكم جميعا نشكر مجموعة السهام...انه منظم الحفل...". يصور هذا المقطع القصصي القصير حدث الحرب بخاصية السخرية والتلوين الأسلوبي الكاريكاتوري والإيجاز المكثف بحمولات مرجعية انتقادية قوامها التهكم والأسلبة والتهجين والتكرار الساخر، وتوظيف مستويات لغوية مختلفة من أجل خلق باروديا نصية تفضح صيرورة التناقض والخلاف العربي. وعلى الرغم من هذا القصر الموجز، فالنص يحتوي على كل مقومات الحبكة السردية من أحداث وشخصيات وفضاء ومنظور سردي وكتابة أسلوبية متنوعة. ويتخذ فن القصة القصيرة جدا عدة أشكال وأنماط كالخاطرة والأقصوصة واللوحة الشعرية واللغز والحكمة والمشهد الدرامي وطابع الحبكة السردية المقولبة في رؤوس أقلام كما في (ميركافا) لحسن برطال:" كان يتكلم عن وقائع المعركة...صلبة المقاتلين...خيانة الجيش... ثم الهزيمة...". ومن الأمثلة على اللوحة الشعرية قصة ( في حوض الحمام) للكاتبة المتميزة فاطمة بوزيان التي كتبت بطريقة شاعرية تعتمد على التكرار وموسقة الحروف والانزياح البلاغي: كان يشعر أن الماء الساخن يذيب كل شحمه الفائض... يذيب كل تعبه... يذيب شكوكه.. يذيب سوء التفاهم الذي بينه وبين البسكويت! ي ذ و ب صار ماء لاطفولة له فجأة تذكر مجرى الحوض هب خائفا فعاد إليه شحمه تعبه شكوكه وسوء التفاهم الذي بينه وبين البسكويت وتظهر هذه الشاعرية أيضا في( عروض خاصة) لنفس الكاتبة القاصة: في لحظات وحدته القصوى كان يخرج هاتفه المحمول ويضغط على أزرار الرقم المجاني حيث الصوت الأنثوي الرخيم يذكر بالعروض الخاصة وكان يتذكر الأنثى والأمور الخاصة وقد تتحول القصة القصيرة جدا إلى لوحة تشكيلية كما في( عولمة ) للكاتبة المغربية فاطمة بوزيان: هم الأستاذ بالكتابة على السبورة تكسر الطبشور حاول الكتابة بما تبقى في يده، خربش الطبشور السبورة في صوت مزعج اغتاظ . والتفت على يمينه قائلا - اتفو على التخلف في زمن العولمة يسلموننا. كما تتجسد القصة القصيرة جدا في عدة مظاهر أجناسية وأنماط تجنيسية كالقصة الرومانسية والقصة الواقعية والقصة الفانطاستيكية والقصة الرمزية والقصة الأسطورية، كما تتخذ أيضا طابعا تجنيسيا في إثبات قواعد الكتابة القصصية الكلاسيكية، وطابعا تجريبيا أثناء استلهام خصائص الكتابة القصصية والروائية المعروفة في القص الغربي الجديد والحداثي، وطابعا تأصيليا يستفيد من تقنيات التراث في الكتابة والأسلبة. هذا، وتتميز الجمل الموظفة في معظم النصوص القصصية القصيرة جدا بالجمل الموجزة والبسيطة في وظائفها السردية والحكائية، حيث تتحول إلى وظائف وحوافز حرة بدون أن تلتصق بالإسهاب الوصفي والمشاهد المستطردة التي تعيق نمو الأحداث وصيرورتها الجدلية الديناميكية. وإذا وجدت جمل مركبة ومتداخلة فإنها تتخذ طابعا كميا محدودا في الأصوات و الكلمات والفواصل المتعاقبة امتدادا وتوازيا وتعاقبا. وتمتاز هذه الجمل بخاصية الحركة وسمة التوتر والإيحاء الناتج عن الإكثار من الجمل الفعلية على حساب الجمل الاسمية الدالة على الثبات والديمومة وبطء الإيقاع الوصفي والحالي والاسمي. ويتميز الإيقاع القصصي كذلك بحدة السرعة والإيجاز والاختصار والارتكان إلى الإضمار والحذف من أجل تنشيط ذاكرة المتلقي واستحضار خياله ومخيلته مادام النص يتحول إلى ومضات تخييلية درامية وقصصية تحتاج إلى تأويل وتفسير واستنتاج واستنباط مرجعي وإيديولوجي. ويتحول هذا النص القصصي الجديد إلى نص مفتوح مضمن بالتناص والحمولات الثقافية والواقعية والمستنسخات الإحالية خاصة عند الكاتب المغربي حسن برطال كما في( الثأر)،و( ماسح الأدمغة)، و( ثلاث زيارات لملاك الموت)،و(ميركافا)،و( الضمير المنفصل...لايستحق أن يكون كلمة)،و( مي شدياق)...، لذلك يحتاج هذا النص التفاعلي إلى قراءات عديدة وتأويلات مختلفة تختلف باختلاف القراء والسياقات الظرفية. ويساهم التدقيق والتركيز في خلق شاعرية النص عبر مجموعة من الروابط التي تضفي على النص الطابع القصصي والتراتبية المنطقية والكرونولوجية، بله عن خاصية الاختزال والتوازي والتشظي البنائي والانكسار التجريبي. ومن حيث البلاغة ، يوظف الكاتب في نصه الأجناسي الجديد المجاز بكل أنواعه الاستعارية والرمزية من أجل بلورة صورة المشابهة وصورة المجاورة وصورة الرؤيا القائمة على الإغراب والإدهاش والومضات الموحية الخارقة بألفاظ إنشائية أو واقعية تتطلب تأويلات دلالية عدة لزئبقيتها وكثافتها التصويرية بالأنسنة والتشخيص والتجسيد الإحيائي والتضاد والانزياح والتخييل . ويمكن الحديث أيضا عن بلاغة البياض والفراغ بسبب الإضمار والاختزال والحذف . وكل هذا يستوجب قارئا ضمنيا متميزا ومتلقيا حقيقيا متمكنا من فن السرد وتقنيات الكتابة القصصية. كما ينبغي أن تكون القراءة عمودية وأفقية متأنية عالمة ومتمكنة من شروط هذا المولود الجديد، وألا يتسرع القارئ في قراءته وكتابته النقدية على الرغم من كون القصة القصيرة جدا هي كتابة سريعة أفرزتها ظروف العولمة وسرعة إيقاع العصر المعروف بالإنتاجية السريعة والتنافس في الإبداع وسرعة نقل المعلومات والخبرات والمعارف والفنون والآداب. ج- المعيار التداولي: تهدف القصة القصيرة جدا إلى إيصال رسائل مشفرة بالانتقادات الكاريكاتورية الساخرة الطافحة بالواقعية الدرامية المتأزمة إلى الإنسان العربي ومجتمعه الذي يعج بالتناقضات والتفاوت الاجتماعي، والذي يعاني أيضا من ويلات الحروب الدونكيشوتية والانقسامات الطائفية والنكبات المتوالية والنكسات المتكررة بنفس مآسيها ونتائجها الخطيرة والوخيمة التي تترك آثارها السلبية على الإنسان العربي ، فتجعله يتلذذ بالفشل والخيبة والهزيمة والفقر وتآكل الذات... كما ينتقد هذا الفن القصصي الجديد النظام العالمي الجديد وظاهرة العولمة التي جعلت الإنسان معطى بدون روح، وحولته إلى رقم من الأرقام، وبضاعة مادية لاقيمة لها، وسلعة كاسدة لاأهمية لها . وأصبح الإنسان- نتاج النظام الرأسمالي "المغولم " - ضائعا حائرا بدون فعل ولا كرامة، وبدون مروءة ولا أخلاق، وبدون عز ولا أنفة، معلبا في أفضية رقمية مقننة بالإنتاجية السريعة والاستهلاك المادي الفظيع ، كما صار مستلبا بالآلية الغربية الطاغية على كل مجتمعات العالم "المعولمة" اغترابا وانكسارا. 7- الخصائص الدلالية: يتناول فن القصة القصيرة جدا نفس المواضيع التي تتناولها كل الأجناس الأدبية والإبداعية الأخرى، ولكن بطريقة أسلوبية بيانية رائعة تثير الإدهاش والإغراب والروعة الفنية، وتترك القارئ مشدوها حائرا أمام شاعرية النص المختزل إيجازا واختصارا يسبح في عوالم التخييل والتأويل، يفك طلاسم النص ويتيه في أدغاله الكثيفة، ويجتاز فراديسه الغناء الساحرة بتلويناتها الأسلوبية، يواجه بكل إصرار وعزم هضباته الوعرة وظلاله المتشابكة. ومن المواضيع التي يهتم بها هذا الفن القصصي القصير جدا تصوير الذات في صراعها مع كينونتها الداخلية وصراعها مع الواقع المتردي، والتقاط المجتمع بكل آفاته، ورصد الأبعاد الوطنية والقومية والإنسانية من خلال منظورات ووجهات نظر مختلفة،ناهيك عن تيمات أخرى كالحرب والاغتراب والهزيمة والضياع الوجودي والفساد والحب والسخرية و التغني بحقوق الإنسان... استنتاج تركيبي: وفي الأخير، نثبت أن فن القصة القصيرة جدا فن صعب المراس يستوجب الدقة ومهارة الكتابة القصصية والتمكن من تقنيات التكثيف والاختزال وتوظيف النزعة القصصية المناسبة بصورها البلاغية والسردية أحسن توظيف لإثارة المتلقي بعنصري الإدهاش والإغراب ودفعه إلى استخدام ملكة التخييل و النقد و التصوير والتجريد، كما على الناقد ألا يتسرع في حكمه وتقويمه وأن يرحب بهذا الفن المستحدث وأن يشجعه ليتبوأ مكانته المناسبة ضمن لائحة الأجناس الأدبية المعروفة. ونسجل ناصحين وموجهين أنه آن الأوان لتوسيع شبكة الأجناس الأدبية و تمديد رقعة نظرية الأدب بفنون جديدة تفرزها ظروف العصر وسرعة إيقاع الحياة المعاصرة التي تفرض علينا شروطها ومتطلباتها التي لا يمكن الانسلاخ عنها أو تجنبها، فلا بد إذاً من التكيف والتأقلم مع مستجدات السياق الزمني الآني خاصة الفنية والأدبية منها، ولابد للمؤسسات التربوية الجامعية والثانوية والإعدادية والابتدائية والمؤسسات الثقافية الخاصة والعامة أن تعترف بكل المنتجات الجديدة في عالم الإبداع سواء أكان ذلك مستوردا من الحقل الغربي أم مستنبتا في الحقل العربي ، وذلك بالتعريف والدراسة والتشجيع وإقرارها في الكتب المدرسية والمناهج والبرامج البيداغوجية والديداكتيكية. ومن هذه الأشكال الأدبية التي نرى أنه من الضروري الاعتراف بها اهتماما وإنصاتا أدب الخواطر وأدب اليوميات وأدب المذكرات وفن التراسل والأدب الرقمي وفن القصة القصيرة جدا وفن الرحلة وفن الزجل والقصيدة النثرية والنقد التفاعلي الذي يرد في شكل تعليقات هامشية على النصوص المنشورة في المواقع الرقمية. ملاحظــــة: جميل حمداوي، صندوق البريد 5021 أولاد ميمون، الناظور ، المغرب jamilhamdaoui@yahoo.fr

شعرية القصة القصيرة جدا عند عز الدين الماعزي

الدكتور جميل حمداوي 
شعرية القصة القصيرة جدا عند عز الدين الماعزي 
شعرية القصة القصيرة جدا عند عز الدين الماعزي 
الدكتور جميل حمداوي 
يعد عزالدين الماعزي من أهم رواد القصة القصيرة جدا في المغرب إلى جانب قيدومها الكبير حسن برطال ، وكتابها البارزين المتميزين كفاطمة بوزيان، وسعيد منتسب في مجموعته القصصية"جزيرة زرقاء"، وعبد الله المتقي في مجموعته" الكرسي الأزرق"، ومحمد فاهي، ومصطفى لغتيري وآخرين... ويتميز عزالدين الماعزي في قصصه القصيرة جدا بخاصية السخرية والروح الكاريكاتورية والواقعية الانتقادية كما في مجموعته الجديدة" حب على طريقة الكبار". إذاً، ما خصائصها المناصية؟ وما هي مميزاتها الشكلية والدلالية؟ وما أبعادها المرجعية والإحالية؟ أ‌- الإطــــار المناصـــــي: أخرج الكاتب القصصي المغربي المتميز عزالدين الماعزي أول مجموعته الإبداعية في جنس القصة القصيرة جدا تحت عنوان"حب على طريقة الكبار" سنة 2006م عن مطبعة وليلي بمراكش. وقد تولى الفنان حلمي التوني رسم غلاف المجموعة وتصميمها تشكيلا وتجريدا. وتعبر الألوان المتداخلة التي تزينت بها اللوحة الأيقونية عن التناقضات القيمية التي يعيش علي إيقاعها الإنسان العربي بصفة عامة والإنسان المغربي بصفة خاصة. وتوحي اللوحة التشكيلية كذلك بانهيار الإنسان المعاصر وجدب المكان وموت القيم الأصيلة، وتصوير الأمل الطفولي في الخصوبة والانعتاق نحو حياة الصفاء والسلام، و استشراف غد أفضل يتطلع إليه الجميع بقلوبهم الحالمة وعيونهم الواسعة. وقد كتبت نصوص هذه المجموعة القصصية القصيرة جدا ما بين 2002 و2004 م ، وقد نشرت سابقا في الكثير من المنابر الرقمية والورقية. ويشتم من خلال إهداء الكاتب أنه بقابل بين عالمين: عالم الكبار وعالم الصغار، أو بين عالم القسوة والشراسة والعنف والشر والسواد، وعالم البراءة والحرية والسلام والخير والبياض. وإذا استعملنا تقنية التواصل كما عند رومان جاكبسون فإننا نجد أن المرسل هو المبدع عزالدين الماعزي، والمرسل إليهم هم: الأبناء والتلاميذ والأصدقاء وأحمد وبسمة وكل أطفال العالم. أما الإرسالية فتتمثل في تحريض كل البشر على الاتحاد والتآزر للقضاء على الشر وزرع ورود الخير والأمل والحب والمودة كما تشير إلى ذلك كلمات الغلاف الخارجي. ولن يخلق هذا العالم الطوباوي اليوتوبي والمثالي إلا عبر الكتابة والأحلام وترجيح قيم الأطفال على قيم الكبار. ويضم كتاب عزالدين الماعزي ستا وثلاثين قصة قصيرة جدا، وتتراوح هذه القصص بين أربعة أسطر كما في لوحة" إسماعين" وقصة" La vache qui rit" وستة عشر سطرا كما في قصة "الحجلة". وعلى العموم إن قصص الكاتب عزالدين الماعزي لا تتعدى الصفحة الواحدة من الحجم المتوسط بمقاس( 21سم/ 13 سم). هذا، وتتميز العناوين الداخلية بهيمنة التركيب الاسمي والمزاوجة بين الجمل البسيطة والجمل المركبة( البائع الذي يسقط الخبز في الطريق)، كما يتكون العنوان الداخلي من لفظة واحدة إلى ست كلمات، والمؤالفة بين الفصحى والعامية واللغة الأجنبية لتشكيل حبكة المجموعة وعقدتها الدرامية والقصصية. ب‌- شكلنـــة المضمون السردي: تتميز مجموعة عز الدين الماعزي " حب على طريقة الكبار" بعدة سمات فنية وخصائص سردية تميز كتابته عن باقي الكتابات الأخرى لدى المبدعين المغاربة. و سنجمل هذه المميزات في الخاصيات الجمالية التالية: 1- السخرية اللاذعـــــــة: يوظف الكاتب السخرية الكاريكاتورية لانتقاد عالم الكبار والأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية. ويستخدم في ذلك التنكيت والتلغيز والإضمار والحذف وتهجين اللغة وخلط الفصحى بالعامية كما في (قصص طويلة جدا):" كلمته ابنته عبر الهاتف عن سر غيابه الطويل عن البيت... قال.. إنه في ندوة ثقافية يشارك بقراءات قصصية قصيرة سيعود بعد ثلاثة أيام... قالت: كل هذه الأيام وأنت تقرأ القصص القصيرة جدا...؟؟(ص:34). ويسخر الكاتب من القيم التي يدعيها الإنسان المسلم والتي يكذبها الواقع وميدان المعاملات. وتتجسد هذه السخرية القاتمة بواسطة لغة المفارقة وروح التهكم والتقابل بين ماهو دنيوي وأخروي كما في هذا المقطع السردي الجميل الذي يستقطر فيه الكاتب ابتسامة القارئ وضحكه الذي يشبه البكاء:" دخل المسجد للصلاة، وضع حذاءه في المكان المخصص للأحذية، اندفع بين الصفوف وجد مكانا ضيقا وجلس...استمع إلى خطبتي الإمام وهما تتحدثان عن المصير وعذاب جهنم والسعير وجزاء النعيم. صلى مع المصلين دعا مع الباقين.. بحث عن حذائه لم يجده." (ص: 59). 2- التهجين اللغــــوي: ويتكئ الكاتب على الأسلبة والتهجين والمحاكاة الساخرة والباروديا في صياغة قصصه مستعملا في ذلك الفصحى والعامية واللغة الأجنبية واللهجة المغربية التي تحمل في طياتها سخرية انتقادية ، كما يولد الكاتب لغة خاصة في التعبير والتعيير والتلميح والإيحاء كما في قصته الرائعة( بالثلثين) :" تسلم كرسي الجماعة باع اشترى مزق خربق طوق الكرسي بالحنين. قال نبدل السوق القديم، نبني سورا حول المقبرة نهدم دار الشباب نحرث الملعب ونزرع الفول ونضع علامات في الطريق نبتت تجزئات وبنايات في رمشة عين. أغمض هدم ناقش راسل دوزن حول صرف وظف حاصر جادل فوت. في الجمع العام أسقطوه بالثلثين"( 63). وتظهر المفارقة اللغوية لتشكل ظاهرة الباروديا وتجلي خاصية الامتساخ والتحول الفانطاستيكي ، وخاصة عندما ينطق الطبيعة ليشخص قسوة الإنسان وتصوير مدى شراسته وعنفه ضد الطبيعة والبيئة الخضراء:" نزع البتلة الأولى...قال...تحبني نزع البتلة الثانية... قال... لا تحبني نزع البتلة الثالثة والرابعة ... و أكمل البتلات، أسقط الوردة غاضبا بكت الوردة، أحست بالبرد وهي عارية قالت...أنت لا تحبني"( صفحة الغلاف الخارجي). و تشكل قصة الكاتب" نقطة على نقاط" مثالا حيا ساخرا على المفارقة اللغوية وتهجين الفصحى بالعامية والتوليد اللغوي كما في قصته السياسية التي تنتقد زيف السلطة والتلاعب بالمسؤولية والتفريط في أمانة الحكم واللامبالاة في تسييس الرعية والتلاعب بالانتخابات وشرعية الشورى والديمقراطية:" وسط القاعة كان الرئيس قابعا كالرئيس وحوله رجل السلطة والأعداء، أمامهم جدول الأعمال اللغط ونقاط نظام وتوزيع المهام وعن اللجان النائمة بينما الرئيس يصرخ.. ماعندي م نعطيكم، أحسن لي وليكم نمشيو نقابلو بهايمنا... يحتدم النقاش وتكثر التدخلات ينسحب عضو يتبعه آخرون.. من 17 عضوا بقي أربعة يتابعون جدول الأعمال المكون من 13 نقطة"(ص:74). 3- شاعرية الإيحاء والتصوير: ويستند الكاتب في صياغة قصصه الجميلة إلى شاعرية الإيحاء والتضمين والوصف واستعمال التشابيه والنعوت والأحوال والأفعال الوصفية والصور البلاغية المجازية القائمة على المشابهة والمجاورة والترميز والإحالة. وغالبا ما توظف هذه الخاصية أثناء المقابلة بين عالم الكبار الذي يتسم بالشر والنفاق والكذب والزيف والكراهية وعالم الصغار الذي يتسم بالبراءة والطهارة والفطرة والحب. كما تبرز هذه الخاصية أثناء تصوير أحوال الطفولة بين شقائها في البادية وعذاباتها في المدينة، وتألمها بآثار ويلات حروب الكبار وصراعاتهم الدونكشوتية المريرة:" أسفل الساقية رأيتها تحمل جرة ماء،خطوها وئيد تمشي كالنمل طول الطريق...العربة البطيئة تمر قربها لا تنتبه إليها، هي تئن حين تحضر الماء من الساقية إلى البيت والعربة تمد عنقها الخشبي الطويل تتمدد وهي لا تتعب، لا تتعب من نقل الماء في الجرة من الساقية إلى البيت وأنابيب الماء الصالح للشرب تتمدد كلسان يبتلع الطريق تحت أرجل المرأة المثقلة بالجرة، أسفل الساقية والعربة المثقلة ببرميل وجرات الماء الذي...لم يعد صالحا للشرب"( ص:8). وتعبر قصة (الحجلة) أيضا عن الصراع الطفولي البريء الذي يلتئم شمله بسرعة في مقابل صراع الكبار الذي لا ينتهي إلا بالعنف وإسالة الدماء وقطع صلة الرحم والجوار والأخوة. كما يتجسد هذا أيضا في قصة( جسد من الحجارة ) التي تصور مدى فظاعة عالم الكبار وتوحش العدو وتآكل الجسد الطفولي وعجزه عن الاحتمال:"يرمي الولد الحجارة...يرمي...أمام جنزرة.. ركام من الحجارة، يرمي جسده بمقلاع...الجنود خلف دبابتهم خلف قبعاتهم يحتمون، والأطفال يرمون...بالحجارة... يسقط الأول والثاني...ويرمي الطفل الحجر من اليد إلى اليد، تظهر سيارة الإسعاف تحملهما... اليد على الحجر والحجر في اليد. الطفل الذي يشاهد ذلك على الشاشة يأكل، يرمي الخبز والملعقة من يده...يرفض الأكل...يقف ... يرفض الذهاب إلى المدرسة يخرج إلى الشارع يجمع الحجر ويستعد.."(ص:18). 4- خاصية الحــذف والإضمار: يشغل عزالدين الماعزي كثيرا تقنية الإضمار والحذف عن طريق تغييب علامات الترقيم التي لا تظهر إلا في حالات قليلة. أما أهم علامة تحضر بشكل لافت للانتباه هي علامة الحذف بنقطها الثلاث. وهذه الخاصية الترقيمية إن دلت على شيء فإنما تدل على الإيحاء والتلميح والإخفاء وإسكات لغة البوح والاعتراف و الامتناع عن توضيح الواضح وفضح الفاضح. ويحرك الإضمار مخيلة القارئ ويحفزه على التفكير والتخييل والإجابة عن الألغاز المطروحة في سياقاتها المرجعية وأبعادها الانتقادية. وهذا ما يجعل كثيرا من قصص الماعزي ألغازا وقصصا للتنكيت والسخرية المثيرة التي تخاطب العقل والوجدان معا. وخير مثال على خاصية الحذف والإضمار قصة ( شكون) التي تبين سياسة العنف التي يستخدمها الرجل في تعامله مع زوجته والاستهتار يقيم الأسرة ومواثيق المساكنة الشرعية:" خرج من بيته على دقات الساعة العاشرة صباحا، طلبت منه الزوجة أن يوصل الخبز إلى الفران، رفع كتفه، فتل شاربه ومضى... التصقت بساقه الصغرى دفعها خلفه وصفق الباب بعنف،، في العاشرة ليلا عاد ثملا، فتش في سترته، أدخل يده في جيب سرواله، عن حزمة المفاتيح التي.. بدل عاود دون جدوى، طويلا بحث...على إيقاع الضجيج الذي أحدثه أطلت الزوجة من كوة النافذة..وقالت..."(ص:12). 5- تسريع الإيقاع الســـردي: ويستند الكاتب في تحبيك قصصه القصيرة جدا إلى توظيف إيقاع سردي يتميز بالسرعة والإيجاز وكثرة التعاقب في تسلسل الأحداث وتتابع الأحوال والحالات. ومن الأدلة على ذلك الإتباع الفعلي وكثرة الاسترسال في الجمل والأفعال التي تصور حركية الأحداث وسرعتها الانسيابية مثل اللقطات السينمائية السريعة والوجيزة. ومن ثم، يمكن إدراج قصص الماعزي ضمن القصص اللقطات أو القصص الألغاز والتنكيت على غرار نوادر جحا وأخبار الحمقى والمغفلين الموجودة في سردنا العربي القديم. ومن الأمثلة القصصية المعبرة عن خاصية تسريع الإيقاع السردي قصة ( بدون) :" دخل الحمام بقفته الفوطة الملابس الداخلية صابونة مشطا محكا وشامبوان... نزع كلابسه ثوبا ثوبا ودخل للاستحمام. جاء الكسال دعك أطرافه جره جذبه ثناه طواه حمله وضعه أسنده كتم أنفاسه أفرغ عليه الماء وخرج التفت وجد نفسه بدون..."(ص:48). ويظهر هذا أيضا واضحا في آخر قصة (بالثلثين): " أغمض هدم ناقش راسل دوزن حول وظف حاصر جادل فوت."(ص:64). 6- التبئير السردي الموضوعي: يستعمل الكاتب على مستوى السرد الرؤية من الخلف وضمير الغياب بكثرة والوصف الخارجي ورصد ماهو نفسي داخلي. وهذه الرؤية السردية يسميها جيرار جنيت درجة الصفر في الكتابة. وهنا ينزل الكاتب منزلة الحياد الموضوعي وعدم التدخل داخل عالم القصة، بل يكتفي بالوصف ونقل الأحداث والتعليق والتقويم من خلال فعل السخرية، والتقبيح الكاريكاتوري كما في قصة(عماد الطابوزي)، والتنكيت الملغز. ومن الأمثلة الدالة على هذا المنظور السردي الذي يعتمد على المعرفة المطلقة قصة( درجة الصفر في الكتابة):" في غرفته وجد نفسه وحيدا ...باردا... كانت الطفلة تعزف على بيانو... أسند ظهره للحائط وبدأ يستمع، رأسه يدور... كان واضحا أن الموسيقى حركت وجدانه،ذكرياته، هي دائما هكذا تسمعه جديد الأنغام الشجية، أحس بذاته تمتلئ إلى درجة أنه فكر في كتابة مواضيع...,طرح أسئلة...بهدوء تام وحذر أخذ القلم وبدأ يكتب..."(ص: 20). 7- الطابع الفانطاستيكي والتحول الامتساخي: تتميز قصص عز الدين الماعزي بخاصية التغريب والتعجيب الفانطاستيكي بسبب تداخل الواقع مع الخيال والعقل مع اللاعقل وذلك من أجل التنديد بالامتساخ البشري وتحول الإنسان إلى كائن غريب لا يتميز عن عالم الأشياء والحيوانات قسوة وشراسة وقبحا وتشيؤا. ومن أمثلة هذا التعجيب الفانطاستيكي قصة (La vache qui rit): " جانب الطريق مدت الأستاذة يدها للسيارات التي تمر ذابلة كأوراق الخريف. وقف السائق...سألها إلى أين...؟ حددت له الوجهة فتح لها الباب الخلفي، ركبت..وجدت نفسها بجانب بقرة ضاحكة"(ص:62). 8- التكثيــف الوصفي: وتمتاز قصص الماعزي بخاصية التكثيف الوصفي والإيجاز في التصوير والاقتصاد في التشخيص وتفادي الوقفات الوصفية المملة كما في الروايات الطويلة. ويرتكز الوصف في قصص الكاتب على الإيحاء والتضمين الشاعري والتقليل من استعمال الأوصاف والنعوت والصور التشخيصية والمجازية والاجتناب قدر الإمكان خطاب الإطناب و لغة الإسهاب و إيقاع التطويل والتكرار المجاني . كما يبتعد عن الترادف الوصفي والتتابع النعتي قصد خلق قصص رمزية موجزة يتخيل فيها القارئ نهايتها وصيغتها التركيبية. وإليكم مثالا يصور وضعية الفنان ومأساته التراجيدية والحلم الطفولي الباهت، ونلاحظ في النص اقتصادا في الأوصاف واختزالا في التوصيف النعتي " يجلس إسماعين أمام اللوحة الغريبة، يتأمل الصورة، صورة رسام رسم لوحة بيضاء ومربعا أسود...و يغني. التفت إسماعين يمينا ويسارا لعل أحدا يراه، تمنى في نفسه أن يكون في نفس الإطار الأبيض الذي تركه الفنان فارغا"(ص:56). 9- تراكــب الجمل وتعاقبها المسترسل: من أهم الملاحظات التي نستخلصها من تتبعنا لقصص عز الدين الماعزي تراكب الجمل وتداخلها وتعاقبها استرسالا وانسيابا بدون حدود وفواصل تركيبية ونظمية. وهذا الترادف والتراكب الجملي والمزاوجة بين الجمل البسيطة والجمل المركبة هو الذي يعطي لقصصه رونقها الإبداعي الشاعري ومتعتها الجمالية الفنية وفائدتها الرمزية كما في هذه القصة التي تصور زلزال الحسيمة وانبطاح ليلى و ضياع أحلامها الوردية بوفاة كل أفراد أسرتها:" بعد ثوان من زلزال الثلاثاء الأسود بالحسيمة، توفي كل أفراد أسرة ليلى، وحيدة ليلى تذرف دموع الفراق لا تعرف ليلى كيف حصل ذلك هي التي كانت تحلم بيوم سعيد وبعالم بدون حواجز...هي الآن وحيدة وحيدة، ترى الحزن بعين واحدة يطل من كل العيون تكتفي بالنظر إلى هذه الثواني التي مرت وراء زجاج نافذة المستشفى. هي التي كانت ترسم بالألوان ما خطته بقلم الرصاص مثل فراشة وتتلعثم بأحرف الهجاء وأناشيد الطفولة كلما خلت إلى نفسها تغني وهي تقفز على الحبل رعب الزلزال الذي تركها بدون أهل..."(ص:44). 10- النزعة القصصية والســـردية: وتكتمل في مجموعة عزالدين الماعزي الخاصية الشاعرية وخاصية النزعة القصصية. و نعني بهذا أن قصصه الرمزية والتقريرية معا تتوفر فيهما الحبكة السردية والنزعة القصصية بمكوناتها الخمس: الاستهلال السردي، والعقدة الدرامية، والصراع، والحل ، والنهاية التي قد تكون مغلقة معطاة، أو مفتوحة يرجى من القارئ أن يملأ فراغ البياض ونقط الحذف عن طريق التخييل والتصوير واقتراح الحلول الممكنة. ويا للعجب العجاب! فما تقوله قصة من قصص الماعزي الموجزة في أربعة أسطر أو صفحة واحدة من الحجم المتوسط تعجز كثير من الروايات الكلاسيكية والحداثية بصفحاتها الطويلة ومجلداتها المتسلسلة أن تقوله بوضوح و جلاء وروح شاعرية فكاهية مقنعة. ومن هنا نرى أن القصة القصيرة جدا ستكون جنس المستقبل بلا منازع مع التطور السريع للحياة البشرية والاختراعات الرقمية الهائلة وسرعة الإيقاع في التعامل مع الأشياء وكل المعنويات الذهنية والروحية. ومن أمثلة النزعة القصصية المحبكة بشكل متكامل في صياغة الأحداث والشخصيات والفضاء والمنظور والزمن والسجلات اللغوية والخاصية الوصفية نذكر قصة(حذاء شطايبه):" يضع شطايبه قبعته نظارته السوداء يهيم في الشارع يخيط بعينيه أرداف الفتيات ويمسح غبار الأزقة وكراسي المقاهي. لا يدري شطايبه الذي أصابه إنه قلق منقبض كتوم... شطايبه يضع صندوقه في يده يتابع سيره بين المقاهي يتطلع إلى الأحذية التي تود المسح... وهو في طريقه يصطدم مع كلب هو الآخر يبحث عن عظمة أو فتات أمام باب مقهى يلتفت إليه ينهره يرفع رجله ليضربه يرفع الكلب أذنه تظهر أنيابه يفتح فاه يزمجر الطفل يغضب الكلب يرفع رجله يتلقاه الكلب فيلقم حذاءه يهرب الكلب بالحذاء يرمي شطايبه الصندوق يجري ويجري يضيع الصندوق والحذاء..."(ص:50). استنتـــاج تركيبي: يتبين لنا من خلال هذا العرض الوجيز أن عز الدين الماعزي متمكن من فن القصة القصيرة جدا تمكنا تاما، يحسن توظيف تقنياته التعبيرية الرائعة في خلق السخرية وفكاهة التنكيت والتلغيز وإثراء شاعرية التصوير والتشخيص. وتتميز قصصه بالواقعية الانتقادية حيث تتحول مجموعته القصصية إلى مرآة صادقة تعكس كل التناقضات والصراعات الجدلية وانحطاط الإنسان وتردي القيم الكمية والكيفية في عالمنا اليوم الذي يتقابل فيه الصغار والكبار، كما تتقابل فيه المحبة والكراهية والخير والشر. ونلاحظ كذلك أن الماعزي كان وفيا لشعرية جنس القصة القصيرة جدا بناء وصياغة ودلالة ومقصدية . وتنم قصصه الشيقة على مستوى التناص والتفاعل النصي والحواري عن مدى تأثر الماعزي إلى حد كبير عن وعي أو بدون وعي بقصص الكاتب المغربي أحمد بوزفور والكاتب السوري زكريا تامر والكاتب المصري يوسف إدريس.... ملاحظة: جميل حمداوي، صندوق البريد 5021 أولاد ميمون ، الناظور 62002، المغرب. jamilhamdaoui@yahoo.fr www.jamilhamdaoui.com

Sunday, April 22, 2012

نظريات وظائــــف اللغـــــة الدكتور جميل حمداوي

نظريات وظائــــف اللغـــــة الدكتور جميل حمداوي 
توطئـــــة: من المعلوم أن من أهم القضايا التي انصبت عليها اللسانيات الحديثة والمعاصرة منذ ظهور كتاب:" محاضرات في اللسانيات العامة" مع فرديناند دو سوسير (Ferdinand de Saussure ) سنة 1916م قضية وظائف اللغة. وقد عرف دو سوسير اللغة بأنها نظام من العلامات وظيفتها الأولى هي التواصل[1]. ومن ثم، بدأ الدارسون في تتبع وظائف اللغة، وترتيبها، وتصنيفها، وتنميطها، في ضوء نظريات وتصورات مختلفة. ومن بين هذه النماذج النظرية التصنيفية التي اهتمت بتجميع وظائف اللغة بشكل من الأشكال، يمكن الحديث عن التصور التواصلي، والتصور السردي، والتصور التداولي، والتصور المنطقي، والتصور الفلسفي، والتصور الثقافي، والتصور النفسي، والتصور التربوي، والتصور السيميائي، والتصور الأنتروبولوجي...ومن بين الدارسين الذين اهتموا بوظائف اللغة، نستحضر كلا من: كارل بوهلر(Bühler)، وكارل بوبر(Karl Popper)، ومالينوفسكي (Malinowski)، ورومان جاكبسون (Jakobson )، وبريتون (Britton)، وموريس (Morris)، وهاليداي(Halliday)، ورولان بارت (R.Barthes) ، ودوكرو (Ducrot) ، وغيرهم... وإن كان الاهتمام بوظائف اللغة قد طرح في الحقيقة على محك النقاش في مدرسة براغ التشيكية من جهة، وفي المدرسة البنيوية الفرنسية الوظيفية من جهة أخرى.إذاً، ماهي الوظيفة اللغوية؟ وكيف تعامل الباحثون والدارسون مع وظائف اللغة الإنسانية ؟ وماهي أهم النماذج النظرية التي استخدموها في تحديد وظائف اللغة ؟ هذا ما سوف نرصده في موضوعنا هذا. ¯ مفـــهوم الوظيفــة اللغويـــة: نعني بالوظيفة ( (Functionذلك الدور الذي يؤديه عنصر لغوي ما داخل ملفوظ ما، أو داخل نص أو خطاب ما ، مثل: الفونيم (الصوت)، والكرافيم ( الوحدة الخطية)، والمورفيم (المقطع الصرفي)، والمونيم (الكلمة)، والمركب(العبارة)، والجملة، والصورة البلاغية ، أو ذلك الدور الذي يؤديه العنصر السيميائي من رمز، وإشارة، وأيقون، وصورة، ومخطط داخل سياق تواصلي ما ...وهكذا، فالفاعل النحوي له داخل الجملة دور معين، ووظيفة نحوية، والفعل له وظيفة محددة، والمفعول به له وظيفة كذلك، والحروف والظروف لها وظائف معينة. بمعنى أن كل عنصر لغوي له وظيفة ما داخل وضعية تواصلية معينة. وقد تهيمن داخل جملة أو نص أو ملفوظ ما وظيفة محددة على باقي الوظائف الأخرى.وهنا، نتحدث – إذاً- عن الوظائف الأساسية والوظائف الثانوية. ومن ثم، فقد ارتبط الاهتمام بالوظيفة في إطار المدرسة اللسانية التشيكية براغ (Prague)، والمدرسة اللسانية البنيوية الوظيفية ، ومن أهم اللسانيين الوظيفيين، نستدعي: رومان جاكبسون(Roman Jakobson)، وتروبتسكوي(Nicolaï Troubetskoy)، وكارشفسكي(Sergei Karcevski)، وفندريس(J.Vendrysès) ، وبنيفنست(E.Beneveniste)، وأندري مارتينيه (A.Martinet)، وتانيير(L.Tesnière)، وكوجينحايم (G.Gougenheim)، وبرون(L.Brun)...[2] ¯ وظائف اللغة عند كارل بوهلر وكارل بوبر: كان الاهتمام بوظائف اللغة في الثقافة الغربية منذ سنة 1918م ، وذلك مع الباحث النفسي الألماني كارل بوهلر(Karl Bühler)[3]، ثم تبعه في ذلك كارل بوبر(Karl Popper) الذي أضاف سنة 1953م الوظيفة الرابعة إلى الوظائف الثلاث التي سطرها كارل بوهلر ، وهي الوظيفة الحجاجية. وقد انطلق كارل بوهلر من التصور النفسي في رصد وظائف اللغة التي ترتبط بالشخص المتكلم في علاقته بمجتمعه وثقافته، وهذه الوظائف الثلاث، هي: الوظيفة التعبيرية الانفعالية المرتبطة بالمرسل، والوظيفة التأثيرية الانتباهية المرتبطة بالمخاطب، والوظيفة التمثيلية المرتبطة بالمرجع. وكانت هذه الوظائف معروفة بشكل من الأشكال لدى الفيلسوف اليوناني أفلاطون. وقد تمثل اللغوي رومان جاكبسون بعض هذه الوظائف في نموذجه التواصلي بطريقة من الطرائق. ¯ وظائف اللغة حسب مالينوفسكي: قدم مالينوفسكي (Malinowski) تصورا أنتروبولوجيا في دراسة النص الثقافي في علاقته بسياقه التكويني[4]، وضمن بيئته التي تحيط به، وكل ذلك من أجل تحصيل الدلالة والوظيفة. وهكذا، فقد قام مالينوفسكي بدراسة استكشافية في إحدى جزر المحيط الهادي، حيث مواطن الشعوب البدائية الغريبة، مثل: أهالي تروبرياند (Trobriand)، وقد حاول مالينوفسكي التأقلم مع حياة هؤلاء ، فتعلم لغتهم، ثم تمثل طريقة عيشهم؛ مما مكن ذلك الباحث من التعرف على لغتهم ووظائفها التواصلية. وهكذا، استطاع مالينوفسكي أن يبرز وظائف أخرى للغة التواصلية، من بينها: الوظيفة البراجماتية، والوظيفة السحرية، كما حدد وظائف ثانوية أخرى للغة تتعلق بالسرد والحدث. ¯ وظائـــف اللغة عند بريتـــون: ينطلق بريتون (Britton) من التصور التربوي المتعلق بمجال التعليم[5]، ليحدد ثلاثة أنواع من الوظائف، وهي أولا، الوظيفة التبادلية (transactionnelle) التي تركز على تبادل الأحداث والأدوار ، والتشديد على وظائف العلاقات بين مختلف المتحدثين. وثانيا، الوظيفة التعبيرية (expressive). وثالثا، الوظيفة الشعرية (poétique). والهدف من كل هذه الوظائف هو تثبت القدرات الكفائية لدى التلاميذ في الإنشاء الكتابي. لذا، فقد استدعى الباحث هذا النموذج الديداكتيكي النفسي لتقوية هذه الوظائف لدى المتعلم ، وذلك في سياقها التعبيري والتواصلي. ¯ وظائف اللغة عند مـــوريس: ينطلق موريس (Morris) من البعد المنطقي في تحديداته التصنيفية لوظائف اللغة[6]، وقد تحدث عن الإنسان على أنه من جنس الحيوان. ومن ثم، فقد تحدث عن الكلام التعبيري الذي يتعلق بالتعبير عن مختلف الانفعالات والمشاعر والأحاسيس الوجدانية، وتحدث أيضا عن الكلام الإخباري الذي يتعلق بتبادل المعلومات والأخبار بين الأطراف المتكلمة، وأشار إلى الكلام الاستثماري أو الكلام الوظيفي الذي يتعلق باستثمار الكلام في ماهو جمالي ولعبي، وانتقل إلى الكلام التواصلي الذي يؤدي وظيفة حفاظية، ويعضد بنية التواصل بين الأطراف. ويشبه هذا التنظيم الوظائفي للكلام ما وضعه كارل بوهلر، وقد تأثر رومان جاكبسون كذلك بهذا النموذج في الستينيات من القرن العشرين، وخاصة فيما يتعلق بالوظيفة الحفاظية المرتبطة بالقناة. . ¯ وظائف اللغة عند رومان جاكبسون: يستند التواصل اللساني حسب رومان جاكبسون(Roman Jackobson) إلى ستة عناصر أساسية[7]، وهي: المرسل، والمرسل إليه، والرسالة، والقناة، والمرجع، واللغة. وللتوضيح أكثر، نقول: يرسل المرسل رسالة إلى المرسل إليه، حيث تتضمن هذه الرسالة موضوعا أو مرجعا معينا، وتكتب هذه الرسالة بلغة يفهمها كل من المرسل والمتلقي. ولكل رسالة قناة حافظة، كالظرف بالنسبة للرسالة الورقية، والأسلاك الموصلة بالنسبة للهاتف والكهرباء، والأنابيب بالنسبة للماء، واللغة بالنسبة لمعاني النص الإبداعي... ويعني هذا أن اللغة ذات بعد لساني وظيفي، وأن لها ستة عناصر، وست وظائف: المرسل ووظيفته انفعالية، والمرسل إليه ووظيفته تأثيرية، والرسالة ووظيفتها جمالية، والمرجع ووظيفته مرجعية، والقناة ووظيفتها حفاظية، واللغة ووظيفتها وصفية وتفسيرية. ومن ثم، فإن الذي وضع هذا النموذج اللساني الوظيفي التواصلي هو الباحث الروسي ذي الجنسية الأمريكية رومان جاكبسون ، وقد أثبته في كتابه:" اللسانيات والشعرية" سنة 1963م[8] ، حيث انطلق من مسلمة جوهرية ، وهي أن التواصل هو الوظيفة الأساسية للغة، وارتأى أن للغة ستة عناصر أساسية، ولكل عنصر وظيفة ما: - عناصر التواصل ووظائف اللغة- أرقام العناصر والوظائف عناصر التواصل مصدر التواصل الوظيفة 1 المرسل الرسالة انفعالية 2 الرسالة الرسالة شعرية 3 المرسل إليه الرسالة تأثيرية 4 القناة الرسالة حفاظية 5 المرجع الرسالة مرجعية 6 اللغة الرسالة وصفية وقد تأثر جاكبسون في هذه الخطاطة التواصلية بأعمال فرديناند دوسوسيرFerdinand. De Saussure ، والفيلسوف المنطقي اللغوي جون أوسطين John L. Austin. وعليه، فكثير من النصوص والخطابات والصور والمكالمات الهاتفية عبارة عن رسائل يرسلها المرسل إلى مرسل إليه، حيث يحول المتكلم رسالته إلى نسيج من الانفعالات والمشاعر والأحاسيس الذاتية، ويستخدم في ذلك ضمير المتكلم. ومن ثم، يتخذ المرسل بعدا ذاتيا قوامه التعبيرية الانفعالية. بمعنى أن الوظيفة الانفعالية التعبيرية هي التي تحدد العلائق الموجودة بين المرسل و الرسالة، وتحمل هذه الوظيفة في طياتها انفعالات ذاتية، وتتضمن قيما و مواقف عاطفية و مشاعر وإحساسات،يسقطها المتكلم على موضوع الرسالة المرجعي. أما المرسل إليه، فهو المخاطب الذي توجه إليه رسائل المتكلم بضمير المخاطب، بغية إقناعه أو التأثير عليه، أو إثارة انتباهه سلبا أو إيجابا. ومن هنا، فإن الوظيفة التأثيرية هي التي تقوم على تحديد العلاقات الموجودة بين المرسل والمتلقي، حيث يتم تحريض المتلقي، وإثارة انتباهه، وإيقاظه عبر الترغيب و الترهيب، وهذه الوظيفة ذاتية بامتياز، مادمت قائمة على الإقناع والتأثير.إذاً، يتحول الخطاب اللفظي أو غير اللفظي إلى رسالة ، وهذه الرسالة يتبادلها المرسل و المرسل إليه ، فيساهمان في تحقيق التواصل المعرفي و الجمالي، وهذه الرسالة مسننة بشفرة لغوية ، يفككها المستقبل، ويؤولها بلغته الواصفة. وتتجسد هذه الرسالة ذات الوظيفة الشاعرية أو الجمالية عن طريق إسقاط المحور الاستبدالي على المحور التأليفي، أو إسقاط محور الدلالة والمعجم على محور التركيب والنحو انزياحا أو معيارا. ويعني هذا أن الوظيفة الجمالية أو الشعرية هي التي تحدد العلائق الموجودة بين الرسالة و ذاتها، وتتحقق هذه الوظيفة أثناء إسقاط المحور الاختياري على المحور التركيبي، وكذلك عندما يتحقق الانتهاك و الانزياح المقصود بشكل من الأشكال. كما تهدف الرسالة عبر وسيط القناة إلى الحفاظ على التكلم، وعدم انقطاعه: (آلو....آلو...هل تسمعني جيدا؟....). أي: تهدف وظيفة القناة إلى تأكيد التواصل، واستمرارية الإبلاغ، وتثبيته أو إيقافه، والحفاظ على نبرة الحديث والكلام المتبادل بين الطرفين. زد على ذلك، فللغة وظيفة مرجعية، ترتكز على موضوع الرسالة باعتباره مرجعا وواقعا أساسيا، تعبر عنه تلك الرسالة. وهذه الوظيفة في الحقيقة موضوعية، لا وجود للذاتية فيها، نظرا لوجود الملاحظة الواقعية، والنقل الصحيح، والانعكاس المباشر.... وثمة وظيفة أخرى مرتبطة باللغة، وتسمى بالوظيفة الوصفية أو الوظيفة الميتالغوية القائمة على الشرح والوصف والتفسير والتأويل ، وتهدف هذه الوظيفة إلى تفكيك الشفرة اللغوية، بعد تسنينها من قبل المرسل. والهدف من السنن هو وصف الرسالة لغويا، وتأويلها وشرحها وفهمها، مع الاستعانة بالمعجم أو القواعد اللغوية و النحوية المشتركة بين المتكلم والمرسل إليه. ومن باب التنبيه، نحتكم ، هنا، إلى القيمة المهيمنة (La valeur dominante) كما حددها رومان جاكبسون،لأن نصا ما قد تغلب عليه وظيفة معينة دون أخرى، فكل الوظائف التي حددناها سالفا متمازجة، إذ قد نعاينها مختلطة بنسب متفاوتة في رسالة واحدة، حيث تكون الوظيفة الواحدة منها غالبة على الوظائف الأخرى حسب نمط الاتصال . ومن هنا، تهيمن الوظيفة الجمالية الشعرية على الشعر الغنائي. في حين، تهيمن الوظيفة التأثيرية على الخطبة ، وتهيمن الوظيفة الميتالغوية على النقد الأدبي، وتغلب الوظيفة المرجعية على النصوص التاريخية، وتهيمن الوظيفة الانفعالية على النصوص الشعرية الرومانسية، وتغلب الوظيفة الحفاظية على المكالمات الهاتفية. ¯ وظائف اللغة عند اللسانيين التداوليين: ينطلق أركان وبوربو (Arcand et Bourbeau ) في كتابهما:"التواصل الفعال، من المقصدية إلى وسائل التعبير" (1995م)[9] من مقاربة وظيفية تداولية مبنية على المقصدية، وليس الأساس عندهما هو القيمة المهيمنة، كما نجد ذلك واضحا عند رومان جاكبسون، بل المهم هو الوظيفة التداولية أو التواصلية. بمعنى أن السؤال ليس هو: ماهي الوظيفة المهيمنة في الإرسالية؟ بل السؤال المهم : لأي غرض استخدمت من أجله الإرسالية؟ ولأي هدف؟ وهنا، ينبغي تحديد المقاصد العامة والأساسية لكل مقطع تواصلي. ويميز الباحثان بين الوظائف ذات المقاصد المباشرة، والوظائف ذات المقاصد غير المباشرة. كما يتحدثان أيضا عن وظائف السبب، ووظائف النتيجة، ووظائف الوسيلة، ووظائف الهدف... هذا، ويقترح اللسانيون التداوليون بما فيهم سيمون ديك وأحمد المتوكل ، ضمن اللسانيات الوظيفية، مجموعة من الوظائف التركيبية والدلالية والتداولية، ومن بين هذه الوظائف التداولية التي تم التركيز عليها عند سيمون ديك (Simon Dik)، نذكر: وظيفة المبتدأ، ووظيفة الذيل، ووظيفة البؤرة، ووظيفة المحور. وأضاف الباحث المغربي أحمد المتوكل في كتابه:" اللسانيات الوظيفية" الوظيفة الخامسة[10]، وهي وظيفة المنادى. وتعد هذه الوظائف داخلية (البؤرة- المحور) من جهة، ووظائف خارجية (المبتدأ- الذيل- المنادى)[11] من جهة أخرى . هذا، وقد حدد هاليداي(Michael Halliday) سنة 1973م سبع وظائف للغة الإنسانية[12]، وهذه الوظائف هي: 1- الوظيفة الأداتية : تستعمل اللغة لتحقيق الرغبات والحاجيات، وتحصيل المصالح والمنافع، مثل: " أنا أريد". 2- الوظيفة التنظيمية: تستعمل اللغة للتأثير على سلوك الغير، وتعديله سلبا أو إيجابا، مثل: " افعل ما أقوله لك!". 3- الوظيفة التفاعلية: تستعمل اللغة من أجل الدخول في علاقة مع المحيط، مثل: " أنا وأنت". 4- الوظيفة الشخصية: تسمح اللغة لصاحبها من التعبير عن انفعالاته الشعورية واللاشعورية، والتعبير عن أحاسيسه ومشاعره الوجدانية والفردية، وتبيان ذوقه الشخصي، وخصوصياته الذاتية، مثل: " أنا-ها أنذا- إنه أنا..." 5- الوظيفة الخيالية: تساهم اللغة في بناء عوالم خيالية ممكنة، واستثمار اللغة في التخييل، وبناء التصورات الافتراضية والإبداعية، مثل:" تخيل أنه سيكون مثل هذا...- يمكن القول..." 6- الوظيفة الاستكشافية: تسمح اللغة بطرح الأسئلة والإشكاليات الاستكشافية والتوقعية من أجل بناء المعرفة، وتحصيل المعارف والعلوم، مثل: " لماذا هذا؟" 7- الوظيفة الإعلامية أو الإخبارية: تسمح بنقل المعلومات المختلفة، وتبليغها إلى الآخر، مثل: " يجب أن أقول لك..." وبعد ذلك، ينتقل هاليداي على غرار الإبستمولوجي التكويني جان بياجيه (Jean Piajet ) للتعامل مع الطفل لغويا، من خلال تحديد ثلاث مراحل أساسية يمر بها الطفل في أثناء اكتسابه للغة ، وهذه المراحل هي: 1- يكون الطفل، وذلك في المرحلة الأولى التي تمتد من الشهر الأول إلى الشهر الخامس عشر، متحكما في مجمل الوظائف الأساسية الخارجية عن مجال اللغة، فالمستوى الصوتي لا يتوافق مع المستوى الدلالي، والكلمات لا تتبين بشكل واضح. 2- تعد المرحلة الثانية، التي تمتد من الشهر السادس عشر إلى الشهر الثاني والعشرين، مرحلة تحول وانتقال نحو استعمال اللغة، كما يستعملها البالغون. وهنا، تقوم اللغة بأدوارها الوظيفية المتنوعة المستويات في شكل وظائف كبرى مؤثرة. 3- تشبه لغة الطفل لغة البالغ ، وذلك في المرحلة الثالثة التي تمتد من الشهر الثاني والعشرين إلى سن البلوغ ، وتظهر في هذه المرحلة ذاتها ثلاث وظائف جديدة: الوظيفة التفكيرية (fonction d’idéation)، والوظيفة العلائقية الشخصية (la function interpersonnelle)، والوظيفة النصية (la function de texture). ويعني هذا أن ثمة ثلاث وظائف لغوية كبرى، وهي: وظيفة التفكير القريبة من وظيفة التمثيل والمعرفة ، وتسمح بتكوين فكرة حول الذات والمحيط ، وذلك من خلال بلورة مجموعة من التجارب الذاتية والموضوعية، وتتخذ هذه الوظيفة صيغة منطقية. ومن ثم، تنقل لنا جمل هذه الوظيفة معظم تجارب الذات في شكل أحداث وعلاقات وحالات وظروف وأشياء... والوظيفة العلائقية التي تتحكم في مجل الوظائف التأثيرية والانفعالية والتعبيرية ، وتساهم في تكوين الآراء. بمعنى أن هذه الوظيفة قائمة على استحضار المرسل والمرسل إليه، ورصد مختلف العلاقات الشخصية الموجودة بينهما، وتبيان صيغ التعبير كالأمر، والنداء، والرجاء، والالتماس.... أما الوظيفة الثالثة، وهي الوظيفة النصية، فتحيل على إنتاج النص بواسطة مجموعة من الروابط والوسائل اللغوية، بغية تحقيق اتساق النص، وتماسكه، وانسجامه. ¯ وظائف اللغة من خلال المنظور الفلسفي: يذهب مجموعة من اللسانيين إلى أن اللغة وظيفتها التواصل، كما هو حال فرديناند دو سوسير الذي يرى في كتابه: " محاضرات في اللسانيات العامة" (1916) أن اللغة نسق من العلامات والإشارات، هدفها التواصل، حينما يتحد الدال مع المدلول بنيويا وعضويا، أو حين تتقاطع الصورة السمعية (الدال) مع المفهوم الذهني(المدلول)[13]. وهو المفهوم نفسه الذي كان يرمي إليه تقريبا ابن جني في كتابه " الخصائص" عندما عرف اللغة بأنها: " أصوات يعبر بها قوم عن أغراضهم"[14]. ويعرف أندري مارتيني André Martinet اللغة بأنها عبارة عن تمفصل مزدوج، وظيفته التواصل. ويعني هذا أنه يمكن تقسيم اللغة إلى تمفصلين: تمفصل أول، وهو المونيمات( الكلمات)، وتنقسم المونيمات بدورها إلى تمفصل ثان، وهو الفونيمات(أصوات) والمورفيمات( مقاطع صرفية). ولكن لا يمكن تقسيم الأصوات إلى وحدات لغوية أخرى؛ لأن الصوت أصغر وحدة جزئية لاتتجزأ، وعندها تنتهي الكلمة. وإذا جمعنا الفونيمات بعضها ببعض، كونا بذلك مونيمات. وإذا جمعنا الكلمات مع بعضها البعض، كونا جملا. وإذا جمعنا الجمل بين بعضها البعض، كونا الفقرات والمتواليات. وتكون الفقرات بدورها ما يسمى النص اتساقا وانسجاما. وتبعا لذلك، يكون النص- من خلال عمليات التأليف والاستبدال- ما يسمى باللغة. ومن ثم، فمن أهم أهدافها الأساسية والبارزة وظيفة التواصل[15]. وعلى أي حال، إذا كان الوظيفيون يرون أن اللغة واضحة ، تؤدي وظيفة التواصل الشفاف بين المتكلم والمستمع، فإن أزوالد دوكرو (Oswald Ducrot) يرى أن اللغة ليست دائما لغة تواصل واضح وشفاف، بل هي لغة إضمار وغموض وإخفاء. ويعني هذا أن الفرد قد يوظف اللغة كلعبة اجتماعية للتمويه، والتخفية، وإضمار النوايا والمقاصد. وقد يكون هذا الإضمار اللغوي ناتجا عن أسباب دينية، وسياسية، واجتماعية، واقتصادية، ونفسية، وأخلاقية. فمثلا، لا يستعمل مهرب المخدرات اسم مهرباته بطريقة مباشرة، بل يستعمل الرموز للإخفاء، كأن يقول لصديقه: هل وصلت الحناء ؟ كما يستعمل أسلوب الأمر في الشريعة الإسلامية للوجوب، والدعاء، والندب، وهذا يعني أن اللغة فيها أوجه دلالية عدة؛ مما يزيد من غموضها، وعدم شفافيتها التواصلية[16]. ومن جهة أخرى، يذهب رولان بارت (Roland Barthes ) بعيدا في تعامله مع وظيفة اللغة ، حينما يعتبر اللغة بعيدة كل البعد عن التواصل، ويجعلها لغة سلطة، ومصدرها السلطة. ويعني هذا أن الإنسان عبد للغة، ومتحرر منها في الوقت نفسه. فعندما يتحدث المتكلم لغة أجنبية، فهو خاضع لقواعدها وتراكبيها، وخاضع أيضا لمنظومتها الثقافية والحضارية والقيمية. وفي الوقت نفسه، يشغل هذه اللغة كيفما يشاء، ويطوعها جماليا وفنيا. وللتمثيل، فلقد تحكمت اللغة الفرنسية كثيرا في الشعب الجزائري لمدة طويلة؛ مما أخضعته لقواعدها التركيبية، وسننها اللساني والثقافي والكينوني. وعلى الرغم من ذلك، فإننا نجد مجموعة من الأدباء الجزائريين ، بقدر ما هم خاضعون لهذه اللغة الأجنبية، يتخذونها سلاحا لهم بكل حرية للتنديد بالاستعمار الفرنسي، ونقده نقدا شنيعا، والهجوم عليه بشكل عنيف ومقرع، عن طريق تطويع تلك اللغة لخدمة الذات الجزائرية بشكل من الأشكال ، وخدمة مصالحها المحلية والوطنية والقومية. ومن جهة أخرى، فقد تلتجئ السلطة الحاكمة إلى فرض اللغة التي تناسبها، من أجل تثبيت سيطرتها السياسية، وتقوية منظومتها الإيديولوجية، وتعضيد مصالحها الاقتصادية ، إذ تفرض كل طبقة حاكمة لغتها بالقوة والاقتصاد، كما أن اللغة هي التي تمنح الفئة الحاكمة السلطة السياسية، ثم تقويها بالشرعية القانونية والدينية[17]. وهكذا، نستنتج بأن اللغة قد تكون أداة للتواصل الشفاف، كما يمكنها أن تكون لغة للإضمار والتمويه والإخفاء، كما يمكن أن تكون أداة للسلطة من جهة، وتكون سلطة قمعية فعلية من جهة أخرى. ¯ ترنس هوكس والوظيفـــة البصرية أو الأيقونية: هناك من الدارسين والباحثين ، ولاسيما السيميائيين منهم، من يزيد الوظيفة السابعة إلى الخطاب اللساني، وهي الوظيفة الأيقونية[18]، وذلك بعد ظهور كتابات جاك دريدا ( J . Derrida) الاختلافية القائمة على أهمية الكتابة بالمقارنة مع الدال الصوتي، وانبثاق السيميوطيقا التواصلية والبصرية. وتسمى هذه الوظيفة السابعة بالوظيفة البصرية أو الأيقونية ، كما نجد ذلك جليا في تصورات ترنس هاوكس[19] النظرية. وتهدف هذه الوظيفة إلى تفسير دلالة الأشكال البصرية و الألوان والخطوط الأيقونية، وذلك بغية البحث عن المماثلة أو المشابهة بين العلامات البصرية ومرجعها الإحالي. بمعنى أن جميع المنتجات البصرية والأيقونية والصور التشكيلية تحمل في طياتها وظيفة بصرية أو كاليغرافية أو أيقونية بشكل من الأشكال. ¯ وظائف اللغة حسب لويس هيبير: ثمة وظائف لغوية أخرى يشير إليها لويس هيبير(Louis Hébert) في مقاله:"وظائف اللغة"[20]، ونستحضر من بين هذه الوظائف: الوظيفة المعرفية، والوظيفة التمثيلية، والوظيفة التعيينية، والوظيفية الإخبارية أو الإعلامية، والوظيفة التعبيرية، والوظيفة الأمرية ، والوظيفة العلائقية ، والوظيفة الاتصالية، والوظيفة الميتاسيميائية، والوظيفة الإستيطيقية، والوظيفة البلاغية… ¯ وظائف السارد حسب جيرار جنيت: لم يهتم جيرار جنيت (GENETTE) بوظائف اللغة، ولكنه اهتم بوظائف السارد على مستوى الخطاب السردي، وذلك في كتابه:" صور 3"[21]، وقد حصر وظائف السارد في خمس وظائف محورية، وهي الوظيفة السردية، وظيفة التنسيق القائمة على توزيع الأدوار الحكائية بين السراد والشخصيات من جهة، وتنظيم السرد والحوار من جهة أخرى، والوظيفة الإبلاغية أو التواصلية التي تتحقق من خلال تواصل الراوي والمروي له، والوظيفة الإشهادية التي تتمثل في نقل الواقع بصدق وأمانة وحرفية واقعية.بمعنى أن السارد يقدم – هنا- شهادة صادقة وأمينة حول الواقع، وذلك ضمن ما يسمى بنظرية إلإيهام بالواقعية، والوظيفة الإيديولوجية التي تتمثل في تقديم رسالة تعليمية ما، أو الدفاع عن أطروحة إيديولوجية ما. ومن ناحية أخرى، فقد حدد جيرار جنيت أربع وظائف للعنوان في كتابه:" العتبات/ Seuils"، باعتباره نصا موازيا مرافقا، أو عتبة أساسية تحيط بالنص خارجيا وداخليا، وهذه الوظائف الأربع هي: الإغراء، والإيحاء، والوصف، والتعيين[22]. ¯عبد الله الغذامي والوظيفة النسقية: يرى الناقد السعودي عبد الله الغذامي في كتابه:" النقد الثقافي: قراءة في الأنساق الثقافية العربية " أنه لابد من ربط النقد الثقافي بالنسقية[23]، فإذا كان رومان جاكبسون قد حدد ست وظائف لستة عناصر: الوظيفة الجمالية للرسالة، والوظيفة الانفعالية للمرسل، والوظيفة التأثيرية للمتلقي، والوظيفة المرجعية للمرجع، والوظيفة الحفاظية للقناة، والوظيفة الوصفية للغة. فقد حان الوقت لإضافة الوظيفة النسقية للعنصر النسقي[24]. بمعنى أن النقد الثقافي يهتم بالمضمر في النصوص والخطابات الرسمية وغير الرسمية، ويستقصي اللاوعي النصي، وينتقل دلاليا من الدلالات الحرفية والتضمينية إلى الدلالات النسقية. ويعني كل هذا أن النقد الثقافي يستند إلى ثلاث دلالات: الدلالة المباشرة الحرفية، والدلالة الإيحائية المجازية الرمزية، والدلالة النسقية الثقافية. و" إذا قبلنا – يقول عبد الله الغذامي- بإضافة عنصر سابع إلى عناصر الرسالة الستة، وسميناه بالعنصر النسقي، فهو سيصبح المولد للدلالة النسقية، وحاجتنا إلى الدلالة النسقية هي لب القضية، إذ إن ما نعهده من دلالات لغوية لم تعد كافية لكشف كل ماتخبئه اللغة من مخزون دلالي، ولدينا الدلالة الصريحة التي هي الدلالة المعهودة في التداول اللغوي، وفي الأدب وصل النقد إلى مفهوم الدلالة الضمنية، فيما نحن هنا نقول بنوع مختلف من الدلالة هي الدلالة النسقية، وستكون نوعا ثالثا يضاف إلى الدلالات تلك. والدلالة النسقية هي قيمة نحوية ونصوصية مخبوءة في المضمر النصي في الخطاب اللغوي. ونحن نسلم بوجود الدلالتين الصريحة والضمنية، وكونهما ضمن حدود الوعي المباشر، كما في الصريحة، أو الوعي النقدي، كما في الضمنية، أما الدلالة النسقية فهي في المضمر، وليست في الوعي، وتحتاج إلى أدوات نقدية مدققة تأخذ بمبدإ النقد الثقافي لكي تكتشفها، ولكي تكتمل منظومة النظر والإجراء."[25]. وما يهمنا في هذه الدلالات الثلاث هي الدلالة الثقافية الرمزية التي تكتشف على مستوى الباطن والمضمر، فتصبح أهم من الدلالتين السابقتين: الحرفية والجمالية. وهكذا، نجد أن عبد الله الغذامي يضيف الوظيفة السابعة إلى النظام التواصلى الموجود عند رومان جاكبسون، وهي الوظيفة النسقية الخاصة بعنصر النسق الثقافي، بينما هناك من السيميائيين من يضيف الوظيفة الأيقونية إلى هذا النظام التواصلي الجاكبسوني. خلاصـــة تركيبيـــة: وخلاصة القول: يتبين لنا، مما سبق ذكره، بأن اللغة عبارة عن نظام من العلامات والرموز والإشارات والأيقونات، وظيفتها البارزة هي التواصل. وقد تأكد لنا ، بكل وضوح وجلاء، بأن الحديث عن وظائف اللغة وصفا وتصنيفا وتنميطا، قد بدأ في الحقيقة في أحضان مدرسة براغ والمدرسة اللسانية البنيوية الوظيفية على حد سواء، وتوسع هذا الاهتمام مع المدارس اللسانية الأخرى كالتوليدية التحويلية والتداوليات الوظيفية. ومن ثم، يمكن الحديث عن مجموعة من المنظورات والنظريات التي اهتمت بشكل من الأشكال بوظائف اللغة، كالمنظور الفلسفي، والمنظور اللساني، والمنظور السيميائي، والمنظور النفسي، والمنظور التداولي، والمنظور السردي، والمنظور الإعلامي، والمنظور التواصلي، والمنظور التربوي، والمنظور الثقافي، والمنظور الأنتروبولوجي... الهوامش: 1-A regarder: Ferdinand de Saussure : Cours de linguistique générale, Payot, Paris, 2005. 2- Jean Dubois et autres : Dictionnaire de linguistique, Larousse, Paris, 1991, p : 388. 3-BüHLER, K. Spraschtheorie: die Darstellungsfunktion der Sprache, Jena, Fischer, 1934. 4-MALINOWSKI, B. The problem of meaning in primitive languages, Supplement 1 in C.K. Ogden & I.A. Richards (eds), The Meaning of Meaning, International Library of Philosophy, Psychology and Scientific Method, London, Kegan Paul, 1923. 5- BRITTON, J. Language and Learning, Harmondsworth, Penguin, 1970. 6- MORRIS, D. The Naked Ape, London, Jonathan Cape, 1967. 7- JAKOBSON, R. Essais de linguistique générale, Paris, Éditions de Minuit, 1963. 8-JAKOBSON, R. : « Linguistique et poétique », Essais de linguistique générale, Paris, Minuit, 1963, p. 209-248. 9- ARCAND, R. et N. BOURBEAU : La communication efficace. De l'intention aux moyens d'expression, Anjou (Québec), CEC.1995. 10- د.أحمد المتوكل: اللسانيات الوظيفية، دار الكتاب الجديد، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، سنة 1987م، ص:250-252. 13- د.حافظ إسماعيلي العلوي: اللسانيات في الثقافة العربية المعاصرة،دار الكتاب الجديدالمتحدة، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى سنة 2009من ص:373-374. 14-Halliday, M.A.K.: Explorations in the functions of language, London, Edward Arnold1973. 15- فرديناند دو سوسير: محاضرات في علم اللسان العام، ترجمة: عبد القادر قنيني، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 1987م، صص:142-143. 16 - انظر: ابن جني: الخصائص، عالم الكتب للطبع والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، طبعة 2006م. 17 -André Martinet : Éléments de linguistique générale, Paris, Armand Colin, 1960. 18 - O.Ducrot : Dire et ne pas dire, Hermann, 1972, pp : 1-6. 19- Roland Barthes: Leçon, Éditions du Seuil, Paris, 1978,12-15. 20 - ترنس هوكز: البنيوية وعلم الإشارة، ترجمة مجيد الماشطة، الطبعة الأولى سنة1996، بغداد ، العراق، ص:114. 21 - ترنس هوكس: (مدخل إلى السيمياء) ، مجلة بيت الحكمة،المغرب، العدد5، السنة الثانية، سنة 1987م، ص:120. 22- Louis Hébert:( Les fonctions du langage), site Signo, http://www.signosemio.com/jakobson/fonctions-du-langage.asp. 23- GENETTE, G. : Figures III, Paris, Seuil.1972. 24- انظر: د.حميل حمداوي: (السيميوطيقا والعنونة)، مجلة عالم الفكر، المجلد 25، العدد3، يناير/مارس، سنة 1997م، ص:106. 25- د.عبد الله الغذامي: النقد الثقافي: قراءة في الأنساق الثقافية العربية، المركز الثقافي العربي، بيروت، لبنان ، الطبعة الأولى سنة 2000م. 26- د.عبد الله محمد الغذامي ودعبد النبي اصطيف: د.عبد الله محمد الغذامي ودعبد النبي اصطيف: نقد ثقافي أم نقد أدبي، دار الفكر، دمشق، سورية، الطبعة الأولى سنة 2004م، ،ص:24. 27- د.عبد الله محمد الغذامي ود.عبد النبي اصطيف: نفسه، ص:26-27. [1] -A regarder: Ferdinand de Saussure : Cours de linguistique générale, Payot, Paris, 2005. [2] - Jean Dubois et autres : Dictionnaire de linguistique, Larousse, Paris, 1991, p : 388. [3] -BüHLER, K. Spraschtheorie: die Darstellungsfunktion der Sprache, Jena, Fischer, 1934. [4]-MALINOWSKI, B. The problem of meaning in primitive languages, Supplement 1 in C.K. Ogden & I.A. Richards (eds), The Meaning of Meaning, International Library of Philosophy, Psychology and Scientific Method, London, Kegan Paul, 1923. [5] - BRITTON, J. Language and Learning, Harmondsworth, Penguin, 1970. [6]- MORRIS, D. The Naked Ape, London, Jonathan Cape, 1967. [7] - JAKOBSON, R. Essais de linguistique générale, Paris, Éditions de Minuit, 1963. [8]-JAKOBSON, R. : « Linguistique et poétique », Essais de linguistique générale, Paris, Minuit, 1963, p. 209-248. [9]- ARCAND, R. et N. BOURBEAU : La communication efficace. De l'intention aux moyens d'expression, Anjou (Québec), CEC.1995. [10] - د.أحمد المتوكل: اللسانيات الوظيفية، دار الكتاب الجديد، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، سنة 1987م، ص:250-252. [11] - د.حافظ إسماعيلي العلوي: اللسانيات في الثقافة العربية المعاصرة،دار الكتاب الجديدالمتحدة، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى سنة 2009من ص:373-374. [12]-Halliday, M.A.K.: Explorations in the functions of language, London, Edward Arnold1973. [13] - فرديناند دو سوسير: محاضرات في علم اللسان العام، ترجمة: عبد القادر قنيني، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 1987م، صص:142-143. [14] - انظر: ابن جني: الخصائص، عالم الكتب للطبع والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، طبعة 2006م. [15] -André Martinet : Éléments de linguistique générale, Paris, Armand Colin, 1960. [16] - O.Ducrot : Dire et ne pas dire, Hermann, 1972, pp : 1-6. [17]- Roland Barthes: Leçon, Éditions du Seuil, Paris, 1978,12-15. [18] - ترنس هوكز: البنيوية وعلم الإشارة، ترجمة مجيد الماشطة، الطبعة الأولى سنة1996، بغداد ، العراق، ص:114. [19] - ترنس هوكس: (مدخل إلى السيمياء) ، مجلة بيت الحكمة،المغرب، العدد5، السنة الثانية، سنة 1987م، ص:120. [20] - Louis Hébert:( Les fonctions du langage), site Signo, http://www.signosemio.com/jakobson/fonctions-du-langage.asp. [21]- GENETTE, G. : Figures III, Paris, Seuil.1972. [22] - انظر: د.حميل حمداوي: (السيميوطيقا والعنونة)، مجلة عالم الفكر، المجلد 25، العدد3، يناير/مارس، سنة 1997م، ص:106. [23] - د.عبد الله الغذامي: النقد الثقافي: قراءة في الأنساق الثقافية العربية، المركز الثقافي العربي، بيروت، لبنان ، الطبعة الأولى سنة 2000م. [24] - د.عبد الله محمد الغذامي ودعبد النبي اصطيف: د.عبد الله محمد الغذامي ودعبد النبي اصطيف: نقد ثقافي أم نقد أدبي، دار الفكر، دمشق، سورية، الطبعة الأولى سنة 2004م، ،ص:24. [25] - د.عبد الله محمد الغذامي ود.عبد النبي اصطيف: نفسه، ص:26-27.

Thursday, March 8, 2012

القصة القصيرة جدا: قضايا ومشاكل وعوائق

 القصة القصيرة جدا: قضايا ومشاكل وعوائق
د.جميل حمداوي


إهداء إلى فاطمة بن محمود


تــوطئـــة:


تعد القصة القصيرة جدا جنسا أدبيا جديدا أو فنا مستحدثا في الحقل الثقافي العربي؛ نظرا لجذوره في الموروث السردي العربي القديم. وعلى الرغم من ظهوره في الوطن العربي إبان السبعينيات من القرن العشرين ، ولاسيما في العراق وسوريا، وازدهاره في المغرب منذ التسعينيات وسنوات الألفية الثالثة إبداعا وتنظيرا ونقدا وتوثيقا وأرشفة، فمازال هذا الجنس الأدبي يطرح قضايا مهمة، وإشكاليات كثيرة، وعوائق عدة، ويفرز أسئلة عويصة على مستوى التجنيس، والكتابة، والنقد، والاعتراف، والمواكبة، والدعم.
هذا، وقد انتعش فن القصة القصيرة جدا في السنوات الأخيرة من الألفية الثالثة ، ولاسيما في الصحف الورقية المطبوعة (المجلات والجرائد)، والمواقع الرقمية والإلكترونية، كما انتعش هذا الفن الأدبي الجديد إعلاميا ، وذلك من خلال ماتم تنظيمه من ملتقيات وندوات وموائد ومهرجانات وطنية وعربية ودولية.إذاً ماهي قضايا القصة القصيرة جدا إن موضوعا وإن شكلا؟ وماهي مشاكلها العويصة بنية ودلالة وتركيبا ومؤسسة ؟ وماهي عوائقها الذاتية والموضوعية والفنية؟ وماهي مراحلها التاريخية غربا وشرقا؟ وماهي مميزاتها وخصوصياتها على مستوى الكتابة والنشر والتقبل ؟ تلكم هي الأسئلة التي سوف نحاول رصدها في هذه الورقة التي بين أيديكم .


 هل القصة القصيرة جدا جنس أدبي جديد؟


من المعروف أن الجنس الأدبي هو مؤسسة ثابتة بقوانينها، ومكوناتها النظرية والتطبيقية، حيث يتعارف عليها الناس، إلى أن يصبح الجنس قاعدة معيارية في تعرف النصوص والخطابات والأشكال ، والتمييز بينها تجنيسا وتنويعا وتنميطا. ويتحدد الجنس الأدبي بوجود قواسم مشتركة أو مختلفة بين مجموعة من النصوص، باعتبارها بنيات ثابتة متكررة ومتواترة من جهة، أو بنيات متغيرة ومتحولة من جهة أخرى. وهذا ما يجعل تلك النصوص والخطابات تصنف داخل صيغة قولية أو جنس أو نوع أو نمط أدبي معين. لكن عناصر الاختلاف الثانوية لا تؤثر بشكل من الأشكال على الجنس الأدبي؛ لأن المهم هو ما يتضمنه من عناصر أساسية قارة وثابتة، وكلما انتهك جنس أدبي ، ظهر على إثره جنس أدبي آخر توالدا وتناسلا وانبثاقا. وثمة مجموعة من القوانين التي ينبغي احترامها في عملية التجنيس، والتصنيف، والتنميط، وتقسيم النصوص الأدبية ، ومن بين هذه القوانين المعيارية، نذكر: قانون التردد، وقانون التكرار، وقانون العدد، وقانون المماثلة، وقانون الاختلاف، وقانون الأهمية، وقانون التواتر، وقانون القيمة المهيمنة، وقانون الثبات، وقانون التطور، وقانون التراكم، وقانون أفق الانتظار، وقانون التكامل، وقانون التمثيل، وقانون المشابهة، وقانون التوصيف، وقانون التقسيم، وقانون التصنيف، وقانون التنميط، وقانون التنظيم، وقانون المأسسة، وقانون التسنين، وقانون التفاعل، وقانون التحول، وقانون الجمال، وقانون التغير، وقانون الوساطة، وقانون الأفضلية، وقانون التأويل، وقانون الممانعة…
حينما نريد الحديث عن جنس أدبي سواء أكان كتابيا أم شفويا، فلابد من مراعاة مجموعة من القوانين، كقانون العدد الذي يستوجب أن يكون هناك مجموعة كبيرة من النصوص الأدبية.وبعد ذلك، نلتجئ إلى قانون التواتر أو التردد لمعرفة العناصر المتواترة والمتكررة في هذه النصوص جميعها ، وعزل العناصر التي قد يتم فيها الاختلاف. وتصبح العناصر المتواترة عناصر رئيسة وأساسية. وبالتالي، ننتقل إلى قانون الأهمية والملاءمة للتركيز على العناصر المهمة والملائمة لنص أدبي معين، بإبعاد العناصر أقل أهمية. كما نهتم بقانون الثبات الذي يستلزم وجود عناصر ثابتة وقارة في الجنس الأدبي وغير متغيرة أو متحولة. زد على ذلك، ننتقل إلى قانون المشابهة، ففي ضوئه نحلل النصوص الأدبية، ونقومها إيجابا وسلبا، وذلك انطلاقا من النصوص المتشابهة فيما بينها. أما قانون الانتهاك والتحول والتغير، فيعني أن كل جنس أدبي يتطور ويتحول إلى جنس أدبي آخر حسب انتهاك هذا الجنس وتدميره وتقويضه وانتهاكه فنيا وجماليا. أي : بتخييب أفق انتظار القارىء. ومن هنا، يمكن الحديث عن أجناس أدبية كلاسيكية، وأجناس أدبية حداثية، وأجناس مابعد حداثية، وأجناس تأصيلية. ونصل إلى خانة التصنيف، والتجنيس، وتقسيم الجنس الأدبي إلى أنواع وأنماط فرعية. ويمكن كذلك دراسة الأجناس والأنواع والأنماط والصيغ الأدبية استقراء واستنباطا، واستدلالا واستكشافا.
وعلى وجه العموم، هناك طريقتان في التعامل مع الجنس الأدبي منهجية ومقاربة ودراسة، فثمة أولا طريقة تجنيسية داخلية تنطلق من المكونات البنيوية النصية المحايثة ، كما نجد ذلك عند البنيويين والسيميائيين والبلاغيين والأسلوبيين ، وطريقة تجنيسية خارجية معطاة مسبقا ، وهي قائمة على الإسقاط القبلي المبني على التوقع الافتراضي، وأفق الانتظار، والتأويل المرجعي أو الذاتي أو التداولي.
وإذا أخذنا القصة القصيرة جدا في ضوء هذه المعايير والقوانين، فهي جنس أدبي مستقل وخالص، مادامت ترتكن إلى أركان وشروط. فالأركان هي عناصر ثابتة لا يمكن الاستغناء عنها، أما الشروط فهي ثانوية ومتغيرة ومتحولة، تشترك فيها مع باقي الأجناس الأدبية الأخرى. ومن أهم الأركان التي تستند إليها القصة القصيرة جدا، نذكر: الحجم القصير جدا الذي لا يتعدى نصف صفحة، ووجود الحبكة القصصية المختزلة، بالإضافة إلى التكثيف، والإضمار، والإدهاش، والمفاجأة، والشذرة، وفعلية الجملة والتركيب. أما الشروط التي تشترك فيها مع باقي الأجناس الأدبية الأخرى، فهي الرمز، والانزياح، والتناص، والأسطورة، والإيحاء، والتلميح، والوصف، والفضاء، والشخصيات، والرؤية السردية، واللغة، والأسلوب…
وتتخذ القصة القصيرة جدا مثل باقي الأجناس السردية الأخرى أنماطا فنية مختلفة ومتنوعة، فقد تكون قصة قصيرة جدا واقعية، وقد تكون رومانسية، أو رمزية، أو سريالية، أو طبيعية، أو أسطورية، أو فانطاستيكية، إلخ…وذلك حسب المواضيع والتيمات والأشكال والمقاصد. وقد تكون قصة قصيرة جدا كلاسيكية أو تجريبية أو تأصيلية تراثية من الناحية المدرسية والجمالية. ويعني هذا أن القصة القصيرة جدا لا تختلف بشكل من الأشكال عن باقي الفنون والأجناس الأدبية الأخرى.


 بدايات القصة القصيرة جدا:


إذا أردنا تتبع تطور بدايات فن القصة القصيرة جدا ، فسنجده منتوجا إبداعيا حديث العهد، ظهر بأمريكا اللاتينية منذ مطلع القرن العشرين لعوامل ذاتية وموضوعية، وذلك مع إرنست همينغواي سنة 1925م، وذلك حينما أطلق على إحدى قصصه مصطلح :”القصة القصيرة جدا”، وكانت تلك القصة مكونة من ثماني كلمات فحسب:” للبيع، حذاء لطفل، لم يلبس قط”. وكان هيمنغواي يفتخر بهذا النص الإبداعي القصير جدا، فكان يعتبره أعظم ماكتبه في حياته الإبداعية. بينما يعد الكاتب الغواتيمالي أوجستو مونتيروسو(Augusto Monterroso) أول من كتب أقصر نص قصصي في العالم تحت عنوان:” الديناصور”:” حينما استفاق، كان الديناصور مايزال هناك/
Cuando despertó, el dinosaurio todavía estaba allí.” . وتتكون هذه القصة القصيرة جدا من سبع كلمات فقط. و في سنة 2005م، سيكتب الكاتب المكسيكي لوي فيليبي لومولي (Luis Felipe Lomelí) قصة قصيرة جدا في أربع كلمات ، وهي:”هل نسيت سيدي شيئا ما؟ما شاء ربي!
/ ¿Olvida usted algo? -¡Ojalá/!»
لكن هناك من يرى بأن القصة القصيرة جدا لم تظهر بأمريكا اللاتينية إلا في سنة 1950م بالأرجنتين ، وذلك مع مجموعة من الكتاب، مثل: بيوي كازاريس (Bioy Casares) وجون لويس بورخيس(Jorges Louis Borges) اللذين أعدا أنطولوجيا القصة القصيرة جدا ، وكانت هذه القصص القصيرة والعجيبة جدا تتكون من سطرين فقط. ومن أهم كتابها في هذه القارة: خوليو كورتاثار، وخوان خوصي أريولا، وخوليو طوري، وأدولفو بيوي كاسارس ، وإدواردو غاليانو، وخابيير تومبو، وخورخي لويس بورخيس، وإرنستو ساباتو، وروبرتو بولانيو، وخوسي دونوسو، وفيكتوريا أوكامبو، وخوان بوش، وأوغيستو مونتيروسو، وبيخيلبو بينيرا، وفلسبرتو هرنانديث ، وآخرون كثيرون…
وبعد ذلك، انتشرت هذه القصص القصيرة جدا بشكل من الأشكال بأوروبا، والولايات المتحدة الأمريكية، والعالم العربي ، وذلك عن طريق الترجمة والمثاقفة وعمليات التأثير و التأثر …
و من جهة أخرى، يمكن الحديث كذلك عن كتابة قصصية قصيرة جدا عند بعض كتاب الرواية الجديدة ،الذين مالوا إلى التجريب والتثوير، وتغيير بنية السرد والحكي، وذلك من أجل تأسيس حداثة قصصية وروائية جديدة. وهكذا، تفاجئنا الكاتبة الفرنسية نتالي ساروت Nathalie Sarraute بأول نص قصصي قصير جدا بعنوان:” انفعالات/Tropismes ” عام 1932م . وكان هذا العمل أول بادرة موثقة علميا بأوروبا لبداية القصة القصيرة جدا، وأصبحت هذه المحاولة نموذجا يحتذى به في الغرب . وترجم هذا النص الإبداعي الجديد في أوائل السبعينيات من القرن العشرين على يد الباحث المصري فتحي العشري (1971م) ، وقد سمى كتاب نتالي ساروت بالقصص القصيرة جدا، وإن كان هذا العمل في الحقيقة رواية لم ينتبه إليها الدارسون الغربيون إلا بعد خمس عشرة سنة من صدورها رسميا سنة 1939م، وذلك على يد جان بول سارتر (J.P.Sartre) وماكس جاكوب(Max Jacob). ويتضمن هذا العمل في الحقيقة أربعة وعشرين نصا قصصيا قصيرا جدا، بدون حبكات معقدة أو شخصيات أو أسماء أعلام ، حيث تتكئ الكاتبة على الضمائر الشخصية تنويعا وأسلبة، وتوصيف الانفعالات الداخلية، وربط الداخل النفسي بالخارج الحركي. ويعني هذا أن الكتاب عبارة عن قصص قصيرة جدا، تعتمد على التنكير في استعمال الشخصيات، والتوصيف النفسي الداخلي ، ورصد الحركات الانفعالية للشخصيات، وذلك في حجم قصصي قصير جدا ، يتراوح بين صفحة ونصف صفحة. وبعد ذلك، بدأت الصحف والمجلات العربية والغربية المتخصصة في فن القص تتأثر بكتابة نتالي ساروت، وتستلهم تقنيات السرد الموظفة لديها…
وعليه، فلهذا الفن الوليد في الحقيقة جذور عربية تتمثل في السور القرآنية القصيرة، والأحاديث النبوية، وأخبار البخلاء واللصوص والمغفلين والحمقى، وأحاديث السمار، علاوة على النكت والأحاجي والألغاز، دون نسيان نوادر جحا… ومن ثم، يمكن اعتبار الفن الجديد امتدادا تراثيا للنادرة والخبر والنكتة والقصة والحكاية، ويعد في العصر الحديث امتدادا للقصة القصيرة التي خرجت من معطف الكاتب الروسي گوگول.
هذا، وقد ظهرت القصة القصيرة جدا في أدبنا العربي الحديث، وذلك حسب المعلومات التي بين أيدينا، منذ فترة مبكرة مع جبران خليل جبران في كتابيه:” المجنون” و” التائه”. كما انتشرت في الأربعينيات من القرن العشرين، وذلك عندما نشر القاص اللبناني توفيق يوسف عواد مجموعته القصصية :” العذارى” عام 1944م، واحتوت على قصص قصيرة جدا، لكنه سماها”: حكايات .” وفي الفترة نفسها، سينشر المحامي العراقي يوئيل رسام قصصا قصيرة جدا ، كما يقول الناقد باسم عبد الحميد حمودي، فعد ذلك بداية لظهور هذا الفن في العراق… ثم ، تلاحقت الأجيال التي تكتب القصة القصيرة جدا في العراق، وكثر الإنتاج ما بين عقد الستين وعقد السبعين من القرن الماضي. فانتشرت قصص قصيرة جدا في البلاد، وذلك مع الكاتب العراقي شكري الطيار الذي نشر آنذاك الكثير من نصوصه في الصحف والمجلات العراقية، وخاصة مجلة: “الكلمة” التي توقفت سنة 1985م. كما أوردت بثينة الناصري في مجموعتها القصصية :” حدوة حصان” الصادرة عام 1974م قصة سمتها:” قصة قصيرة جدا”، ونشر القاص خالد حبيب الراوي خمس قصص قصيرة جدا ضمن مجموعته :” القطار الليلي” الصادرة عام 1975م ، ونشر عبد الرحمن مجيد الربيعي قصصا قصيرة جدا في الفترة نفسها. كما كتب الأديب هيثم بهنام بردى قصته الأولى سنة 1977م بعنوان:”صدى”، و نذكر كذلك ضمن اللائحة : جمعة اللامي، وأحمد خلف، وإبراهيم أحمد، وآخرين…. ولم تظهر القصة القصيرة جدا في سوريا وفلسطين إلا في السبعينيات من القرن العشرين، كما نجد ذلك جليا عند الكتاب السوريين، أمثال: زكريا تامر، ونبيل جديد، ووليد إخلاصي، والفلسطيني محمود علي السعيدي… ولم تظهر بالمغرب إلا في سنة 1996م مع الحسين زروق في مجموعته:” الخيل والليل”، وجمال بوطيب في مجموعته القصصية القصيرة جدا سنة 2001م، وهي تحت عنوان:” زخة…ويبتدئ الشتاء”…
وثمة محاولات أخرى في هذا المجال ، ولكن عن غير وعي أو قصد، كما نجد ذلك عند: يوسف الشاروني ، ونجيب محفوظ، ومحمد زفزاف، وأحمد زيادي، وإبراهيم بوعلو في مجموعته القصصية:” خمسون أقصوصة في خمسين دقيقة”…
ويتبين لنا من كل هذا أن ولادة فن القصة القصيرة جدا ، وذلك من حيث الوعي والمقصدية بشروط الجنس تحبيكا وتخطيبا، كانت ولادة عراقية ، وذلك على غرار ولادة قصيدة التفعيلة مع بدر شاكر السياب ونازك الملائكة. ولكن ولادة هذا الفن ، وذلك من غير وعي ونية وإدراك، كانت ولادة جبرانية بدون منازع.
ولكن على الرغم من ذلك، لم تتبلور القصة القصيرة جدا باعتبارها جنسا أدبيا جديدا من جهة، ولم تثر الجدال الفكري والإبداعي حول الاعتراف بمشروعيتها في ساحتنا الثقافية من جهة أخرى، إلا مع بداية التسعينيات من القرن العشرين ، وذلك في دول الشام (سوريا على سبيل الخصوص)، ودول المغرب العربي(المغرب على سبيل المثال). ومن الأسباب الحقيقية وراء ظهور هذا الفن القصصي الجديد في عالمنا العربي: وتيرة الحياة السريعة، وإكراهات الصحافة، والغزو الإعلامي الرقمي والإلكتروني، والمثاقفة مع الغرب، وترجمة نصوص القصاصين الغربيين، واستيحاء كتابات كتاب أمريكا اللاتينية، والميل إلى كل ماهو سريع وخفيف، وتفضيل خاصيتي الإيجاز والاختصار في عمليتي: الإبداع والترسل. لأن الكلام، كما عند العرب وبلغائهم وفصحائهم، ما قل ودل، فطابق المقال المقام أولا، ثم راعى الكلام مقتضى الحال ثانيا.
ومن باب الإضافة، تعد سورية من الدول العربية الأولى والسباقة إلى إرساء فن القصة القصيرة جدا تنظيرا وإبداعا وكتابة وإشرافا ونقدا، وذلك منذ السبعينيات من القرن العشرين، ولاسيما مع المبدع المتميز زكريا تامر الذي كتب مجموعة من القصص القصيرة جدا بشكل تلقائي وعفوي ، ووليد إخلاصي في مجموعته:” الدهشة في العيون القاسية ” (1972م) ، ونبيل جديد في مجموعته:” الرقص فوق الأسطحة” (1976م)… وبالتالي، فقد كانت الملتقيات الأولى للقصة القصيرة جدا تقام بسورية، ومنها انطلق هذا الفن بشكل حقيقي تنظيرا وتطبيقا وتوجيها. ويعد كتاب:”القصة القصيرة جدا” للناقد السوري أحمد جاسم الحسين أول كتاب ينظر للقصة القصيرة جدا بالوطن العربي، وقد تم نشره بسورية سنة 1997م، وتبعه كتاب الفلسطيني يوسف حطيني:” القصة القصيرة جدا بين النظرية والتطبيق” سنة 2004م.
هذا، وقد انتعشت القصة القصيرة جدا بسورية انتعاشا كبيرا إلى يومنا هذا، إذ يمكن الحديث عن كثير من المبدعين المتميزين في هذا الفن المستحدث، مثل: طلعت سقيرق في مجموعتيه:” الخيمة و”السكين”، ووليد معماري، ونضال الصالح، ومحمد إبراهيم الحاج صالح، وضياء قصبجي، ونجيب كيالي، وعمران عز الدين أحمد في مجموعته:” يموتون وتبقى أصواتهم”،… وعزت السيد أحمد، وعدنان محمد، ونور الدين الهاشمي، وجمانة طه، وانتصار بعلة، ومحمد منصور، وإبراهيم خريط، وفوزية جمعة المرعي، …


 مواقف ثلاثة من جنس القصة القصيرة جدا:


يلاحظ المتتبع لمواقف النقاد والدارسين والمبدعين إزاء فن القصة القصيرة جدا أن هناك ثلاثة مواقف مختلفة، وهي المواقف نفسها التي أفرزها الشعر التفعيلي، والقصيدة المنثورة، و يفرضها كل مولود أدبي جديد وحداثي؛ مما يترتب عن ذلك ظهور موقف محافظ يدافع عن الثابت والأصالة والهوية ، فيناصر النموذج المعياري والتأسيسي في كل فن، ثم يتخوف من كل ماهو حداثي وتجريبي جديد. وهناك موقف النقاد الحداثيين الذين يرحبون بكل الكتابات الثورية الجديدة التي تنزع نحو التغيير والتجريب والإبداع، وتستهدف التمرد عن كل ماهو ثابت. وثمة موقف المترددين والمتحفظين في آرائهم وقراراتهم التقويمية ، وتشبه هذه الطائفة موقف فرقة المرجئة في علم الكلام العربي القديم من مرتكب الكبيرة ، إذ تترقب هذه الفئة نتائج هذا الجنس الأدبي الجديد، وكيف سيستوي في الساحة الثقافية العربية ، وماذا سينتج عن ظهوره من ردود فعل؟!! ومن ثم، لا تطرح رأيها بكل صراحة وعلانية، إلا بعد أن يتمكن هذا الجنس من فرض وجوده، فيثبت نفسه داخل أرضية الأجناس الأدبية، ثم يرسخ أقدامه داخل حقل الإبداع والنقد.
وهكذا، يتبين لنا بأن هناك من يرفض فن القصة القصيرة جدا جملة وتفصيلا، ولا يعترف بمشروعيته وجدواه؛ لأنه يعارض مقومات الجنس السردي بكل أنواعه وأنماطه. وهناك من يدافع عن هذا الفن الأدبي المستحدث تشجيعا وكتابة وتقريضا ونقدا وتقويما ، وذلك من أجل أن يحل هذا المولود مكانه اللائق به بين كل الأجناس الأدبية الموجودة داخل شبكة نظرية الأدب. وهناك من يتريث ترددا ، ولا يريد أن يبدي رأيه بكل جرأة وشجاعة، فينتظر الفرصة المناسبة ليعلن رأيه بكل صراحة سلبا أو إيجابا.
وأعترف ، شخصيا ، وذلك عن قناعة راسخة ، بهذا الفن الأدبي الجديد كتابة وإبداعا وقالبا، وأعتبره مكسبا لاغنى عنه، وأنه من إفرازات الحياة المعاصرة المعقدة التي تتسم بالسرعة الهائلة، والطابع التنافسي المادي والمعنوي ، وذلك من أجل تحقيق كينونة الإنسان ماديا ومعنويا، وإثباتها بكل السبل الكفيلة لذلك، على الرغم من وجود هذا الجنس الأدبي في تراثنا العربي القديم بشكل من الأشكال.


 تسميات القصة القصيرة جدا:


أطلق الدارسون على هذا الجنس الأدبي الجديد عدة مصطلحات وتسميات لتطويق هذا المنتج الأدبي تنظيرا وكتابة، و الإحاطة بهذا المولود الجديد من كل جوانبه الفنية والدلالية والمقصدية. ومن بين هذه التسميات: القصة القصيرة جدا، ولوحات قصصية، وومضات قصصية، ومقطوعات قصيرة، وبورتريهات، وقصص، وقصص قصيرة، ومقاطع قصصية، ومشاهد قصصية، والأقصوصة، وفقرات قصصية، وملامح قصصية، وخواطر قصصية، وإيحاءات،والقصة القصيرة الخاطرة، و القصة القصيرة الشاعرية، والقصة القصيرة اللوحة، والقصة اللقطة، والكبسولة، والقصة البرقية، وحكايات، ولقطات قصصية، والقصة الومضة، وقصص مينيمالية، والتخييل المينيمالي، والتخييل القصير جدا، والقصص المختصرة أو المختزلة، والقصة الشذرة…
وأحسن مصطلح أفضله شخصيا ، وذلك لإجرائيته التطبيقية والنظرية، دون الدخول بطبيعة الحال مع الآخرين في سجالات جدلية، ونقاشات عقيمة دون جدوى ولا فائدة، و أتمنى أن يتمسك به المبدعون في هذا الفن الجديد، وكذلك النقاد والدارسون، ألا وهو مصطلح القصة القصيرة جدا ؛ لأنه يعبر عن المقصود بدقة ووضوح، مادام يركز على ملمحين أساسين لهذا الفن الأدبي الجديد، وهما: قصر الحجم ،والنزعة القصصية. كما أنه يترجم المصطلح الإسباني المعروف المعبر عن هذا الجنس الجديد في مجال السرديات الأدبية (Microrrelatos). ويعني هذا المصطلح الأجنبي المحكي القصير جدا، أو السرد القصير جدا، أو القصة القصيرة جدا.


 القصة القصيرة جدا وضرورة الاعتراف الشخصي والمؤسساتي:


بادئ ذي بدء، نثبت بأن جنس القصة القصيرة جدا فن صعب المراس، يستوجب الدقة الكبيرة، ومهارة الكتابة القصصية تحبيكا وتخطيبا، والتمكن من تقنيات التكثيف والاختزال، وتوظيف النزعة القصصية المناسبة بصورها البلاغية والسردية أحسن توظيف، وذلك من أجل إثارة المتلقي بعنصري الإدهاش والإغراب، ودفعه إلى استخدام ملكة التخييل و النقد والتصوير والتجريد. كما ننصح المبدع بألا يستسهل كتابة هذا النوع من الفن القصصي، فهو صعب التناول، يحتاج إلى مهارة كبيرة، ويتطلب تقنية حرفية جيدة، أكثر مما يستوجبها فن القصة القصيرة والرواية معا. كما يحتاج المبدع أيضا إلى عدة (بضم العين) نظرية مفاهيمية، وكفاءة آلية متفردة، وإلا سقط في شباك أدب الخاطرة، وكتابة النكت والألغاز والنوادر ، أو سقط في فن الأقصوصة أو فن القصة القصيرة، وذلك حينما يميل إلى الإسهاب في الوصف، وتشبيك الأحداث تمطيطا و تسريدا وتخطيبا. وينبغي على الناقد أيضا ألا يتسرع في حكمه على النصوص القصصية القصيرة جدا بالسلب والهدم والشجب نقدا وتقويما وتشديدا، وعليه أن يرحب بهذا الفن المستحدث بشكل من الأشكال ، ويشجع كتابه ورواده بتوجيهاته الموضوعية، لكي يتبوأ هذا الفن الجديد مكانته المناسبة، وذلك ضمن لائحة الأجناس الأدبية المعروفة.
وهنا، نسجل – ناصحين وموجهين – بأنه آن الأوان لتوسيع شبكة الأجناس الأدبية، و تمديد رقعة نظرية الأدب بفنون جديدة ، تفرزها ظروف العصر، وسرعة إيقاع الحياة المعاصرة التي تفرض علينا شروطها ومتطلباتها ،التي لا يمكن الانسلاخ عنها أو تجنبها. فلا بد – إذاً-ً من التكيف والتأقلم مع مستجدات السياق الزمني الآني، خاصة الفنية والأدبية منها. ولابد للمؤسسات التربوية الجامعية والثانوية والإعدادية والابتدائية، وكذلك المؤسسات الثقافية الخاصة والعامة، أن تعترف بكل المنتجات الجديدة في عالم الإبداع، سواء أكان ذلك مستوردا من الحقل الغربي أم مستنبتا في الحقل العربي ، وذلك بالتعريف والدراسة والتشجيع من جهة، وإقرارها في الكتب المدرسية والمناهج والبرامج البيداغوجية والديداكتيكية من جهة أخرى. ومن هذه الأشكال الأدبية التي نرى أنه من الضروري الاعتراف بها اهتماما وإنصاتا، نذكر: أدب الخواطر، وأدب اليوميات ، وأدب المذكرات، وفن التراسل، والأدب الافتراضي أو الرقمي، وفن القصة القصيرة جدا، وفن الرحلة، وفن الزجل، وفن التنكيت، وفن التلغيز، والقصيدة النثرية، والنقد التفاعلي الذي يرد في شكل تعليقات هامشية على النصوص المنشورة في المواقع الرقمية.


 أركان القصة القصيرة جدا وثوابتها المعيارية:


حدد الدكتور أحمد جاسم الحسين مقومات القصة القصيرة جدا في كتابه: ” القصة القصيرة جدا”، في أربعة أركان أساسية، وهي:القصصية، والجرأة، والوحدة، والتكثيف . أما الباحث الفلسطيني يوسف حطيني ، فيحصرها في خمسة أركان أساسية ، وهي: الحكائية، والوحدة، والتكثيف، والمفارقة، وفعلية الجملة . أما الباحث السوري الأستاذ نبيل المجلي، فقد جمع خصائص القصة القصيرة جدا في أرجوزة على غرار منظومات النحو والفقه والحديث ، فحصر أهم مميزاتها في خمسة عناصر أساسية ألا وهي: الحكائية، والتكثيف، والوحدة، والمفارقة، وفعلية الجملة .
وإذا انتقلنا إلى المبدع السوري سليم عباسي، فقد حصر ملامح القصة القصيرة جدا في الحكائية، والمفارقة ، والسخرية، والتكثيف، واللجوء إلى الأنسنة، واستخدام الرمز، والإيماء، والتلميح، والإيهام، والاعتماد على الخاتمة المتوهجة الواخزة المحيرة، وطرافة اللقطة، واختيار العنوان الذي يحفظ للخاتمة صدمتها ، وقد ذكر هذه الملامح في الغلاف الخارجي الخلفي من مجموعته القصصية :” البيت بيتك”.
ويتبين لنا من كل هذا أن سليم عباسي يخلط بين الأركان والشروط، أو بين الثوابت الجوهرية والتقنيات الخارجية، التي تشترك فيها القصة القصيرة جدا مع القصة القصيرة، والرواية، والفنون السردية الأخرى. أما الناقدة الدكتورة لبانة الموشح ، فتحصر عناصر القصة القصيرة جدا في: الحكاية، والتكثيف، والإدهاش .ويرى لويس بريرا ليناريس أن للقصة القصيرة جدا مجموعة من المؤشرات، وهي:
• حضور عنصر الدهشة.
• العلاقة بين العنوان والحبكة والنهاية.
• تركيب الجمل داخل النص.
• اجتناب الشرح أو التوسع.
• تنوع النهاية.
• القاعدة السردية.
• النص القصير جدا ليس نكتة.
أما الناقد الأرجنتيني راوول براسكا، فيحصر مميزات القصة القصيرة جدا في ثلاثة أركان جوهرية ، وهي:
• الثنائية: وتتمثل في وجود عالمين أو حالتين متقابلتين في النص القصصي(حلم/يقظة، صورة حقيقية/ صورة معكوسة،…الخ). قد تحدث الثنائية بتحول مفاجئ في وجهة نظر الراوي، أو بتقديم روايتين مختلفتين لنفس الحدث.
• المرجعية التناصية؛
• انزياح المعنى.
وترى الناقدة الفنزويلية بيوليطا روخو أن للقصة القصيرة جدا مجموعة من المكونات الرئيسية، وهي:
• المساحة النصية.
• الحبكة.
• البنية.
• الأسلوب.
• التناص.
اضف إلى ذلك، فقد ذهب الناقد المكسيكي لاوروز زافالا إلى أن خصائص القصة القصيرة جدا هي:
• الإيجاز.
• الإيحاء.
• التناص.
• الطابع التقطيعي.
• الطابع الديداكتيكي.
ومن هنا، نفهم أن للقصة القصيرة جدا أركانها الأساسية وشروطها التكميلية. ويمكن استجماع تلك الأركان في: الحجم القصير جدا، والقصصية المختزلة، والإضمار، والتنكير، وفعلية الجملة، والإدهاش، والإرباك، والتراكب، والتسريع، والاقتضاب. كما للقصة القصيرة جدا شروطها ، وهي: الانزياح، والإيحاء، والوصف، والفضاء، والرمز، والأسطورة، والتناص، والبناء المعماري، والتصوير الفني…
وهكذا، تستلزم القصة القصيرة جدا مجموعة من الأركان التي نعتبرها ضرورية لهذا الجنس الأدبي الجديد، ومن بينها: الحجم القصيرة جدا الذي لا يتعدى نصف صفحة ، وإن استلزم الأمر يمكن القبول بصفحة واحدة ، ولكن بشرط أن تخضع تلك القصة القصيرة جدا لأركان ومعايير ومقاييس أخرى تكميلية ، مثل: القصصية، والتكثيف، والاختزال، والاقتصاد، وفعلية الجملة، والتسريع ، والتراكب…وإذا وجدنا قصة قصيرة جدا لا تتوفر فيها خاصية الحجم القصير جدا، حيث تعدى النص نصف صفحة إلى صفحة. فهنا، ننتقل إلى معايير ضرورية أخرى، كمعيار التكثيف، والإضمار، والانتقاء، وفعلية الجملة، والاختزال. ويعني هذا أنه ليس من المنطقي أن تتوفر جميع الأركان في قصيصة واحدة، فيمكن أن نجد البعض منها، وتغيب الأخرى كما يقع في جميع الأجناس الأدبية.


 أنواع العقدة في القصة القصيرة جدا:


نعني بالعقدة الوضعية السردية الأساسية القائمة على التأزم والصراع والاضطراب والتوتر الدرامي، ويمكن تقسيم هذه الوضعية إلى الأنواع التالية:
 العقـــدة المقتضبـــة: نعني بالعقدة المقتضبة تلك العقدة التي تتسم بالتكثيف والاختصار والاقتضاب والإيجاز كما وكيفا، كما في قصة:” عطب”لجمال الدين الخضيري: “متكئة على سيارتها المركونة جنب الطريق في انتظار من يغير لها إطار العجلة.
كل مرة كان يتم التغيير، لكن بقيت العجلة على حالها.”
ونجد هذه العقدة واضحة كذلك في قصة” خشب”للمبدع نفسه:” قال وهو يرى حرائق تلتهم الجبال والرجال:
- كيف تأتّى لخُشيْبة ثقاب أن تزدرد قارة من الأخشاب؟”
ويلاحظ أن هذه العقدة موجزة ومكثفة في شكل أحداث سلبية مركزة، كحدث العطب في القصة الأولى، وحدث الحريق في القصة الثانية.
 العقـــدة المضمـــرة: تخلو بعض القصص القصيرة جدا ، كما عند المبدع المغربي جمال الدين الخضيري من العقدة المألوفة التي تتمظهر في شكل أزمة أو مشكلة أو وضعية صعبة، بل هذه العقدة لا يمكن استجلاؤها إلا بالتأويل والتأمل والفحص والاختبار؛ لأن هذه العقدة غير واضحة بشكل جلي، بل هي مختفية ومضمرة ، وتحضر في القصة تضمينا وإيحاء وتلويحا وإشارة كما في قصة:”النادلة”: نادلة سوداء مثل الفحمة. لما اتجهت نحو منضدته تسأل عن بغيته. نظر فيها مليا وقال:
- ترى لو طحناك هل سنصنع منك كحلا تمتلئ به مراودنا؟!”
من الصعب بمكان استجلاء العقدة في هذه القصة القصيرة جدا، إلا إذا مارسنا فعل القراءة الجيدة، وفعل التأويل المثمر، لنستكشف تلميحا وتلويحا بأن كثرة السواد هي العقدة المشكلة لحبكة هذه القصة القصيرة جدا.
 العقـدة المفصلـــــــة:نعني بالعقدة المفصلة تلك العقدة التي تستكمل مقوماتها الفنية والجمالية، وغالبا ما تكون عقدة عادية وطبيعية، كما في النصوص السردية المألوفة، ومن أمثلة لهذا النوع من العقدة، نستحضر : قصة:” ثورة” لجمال الدين الخضيري: “هاج حمار القرية وركض نحو القرية المجاورة وسفد أتانا هناك. القريتان على طرفي نقيض ولا يوحد بينهما إلا اشتباكات العصي وطقطقات المقالع. ثار النقع بينهما من جديد. هبت كل قرية لنصرة حيوانها. سقط حشد كبير. وجدها حمير القريتين فرصة لا تعوض فنزحوا إلى مكان بعيد عن أرض الوغى ليمارسوا لأول مرة الحب على هواهم ودون مراقبة.”
ويعني هذا أن العقدة المفصلة تشبه العقدة التي نجدها في الأقصوصة والقصة القصيرة، وقد استكملت مكوناتها السردية تحبيكا وتسريدا وتخطيبا.
 العقــدة الممتـــــدة:نعني بالعقدة الممتدة في القصة القصيرة جدا تلك العقدة التي ليس لها حل أو نهاية أو انفراج، بل تتسع تلك العقدة المتوترة، وتمتد سردا ومساحة لتهيمن على كل أطراف القصة كما في قصة:”المتلعثم”للمبدع نفسه: الحانة تلفظ روادها. يلفظ جيوبه أيضا عله يجد ما يستقل به التاكسي. يعبر الزقاق المظلم الضيق. يجردونه من أحذيته ومن ساعته ومما تبقى من آدميته. يواصل المسير. يزداد تلعثمه. يزداد تنمّله. يحاول أن يحصي كم عدد المرات التي عاد فيها من الحانات والمساجد حافيا. لم يقو على ذلك، فازداد تلعثما.”
ويعني هذا أن العقدة الممتدة هي تلك العقدة التي تهيمن على النص القصصي كله. وبتعبير آخر، حينما تتحول القصة كلها إلى عقدة من البداية حتى النهاية.


 السخرية والمفارقة من أهم مقومات القصة القصيرة جدا:


تعد السخرية من أهم المكونات الجوهرية للقصة القصيرة جدا ، وذلك من خلال عمليات الإضحاك، والكروتيسك، والتشويه الامتساخي، والتعرية الكاريكاتورية ، والنقد الفكاهي، والهجاء اللاذع. ومن يتأمل قصص الكتاب المغاربة، كمصطفى لغتيري، وقصص غيره من كتاب القصة الكبسولة، كعبد الله المتقي، وفاطمة بوزيان، وجمال بوطيب، وعز الدين الماعزي،وسعيد بوكرامي،ومحمد العتروس،وسعيد منتسب،ومحمد تنفو، وحسن برطال، ورشيد البوشاري، وأنيس الرافعي، وهشام بن شاوي، وأحمد الويزي، ومصطفى الكلتي، ومحمد عز الدين التازي، وكريم راضي، ومحمد زيتون، ومحمد الكلاف، وميلود بنباقي، ومحمد مفتوح؛ ومصطفى بندحمان…، فإنه سيصادف ظاهرة السخرية الناتجة عن المفارقة الصارخة، والانزياح المنطقي، وكثرة الباروديا ، وهيمنة الخلل العقلي، وتكسير المواضعات السائدة ، وتخييب أفق انتظار القارئ، والتأشير على انقلاب موازين القيم ، وانكسار القواعد السائدة المقبولة ذهنيا وواقعيا ، وذلك أمام سيادة اللاعقلانية الفجة، وهيمنة سلطة الجنون. وهكذا، يقول مصطفى لغتيري في قصته :” وثيقة” :” لأنه يحب الوطن حبا جنونيا، اعتقلته السلطات، واحتفظت به في زنزانة منفردة، خوفا عليه من الضياع.إنها – اللحظة- تفكر جديا في عرضه في المتحف الوطني”.
يعتمد الكاتب في هذه القصة الساخرة على تعيير الواقع المتناقض، والثورة على الوعي الزائف، وإدانة سياسة الاستلاب وتزييف القيم الإنسانية. كما تقوم هذه السخرية على الفكاهة، والتنكيت، والتهكم، والتعريض، والتلميح، والإيحاء، والضحك كالبكاء.
هذا، وتتميز قصص حسن برطال بسمة السخرية من الواقع الإنساني، الذي انبطح إلى أسفل سافلين، وتقزم فيه البشر، وصاروا كائنات ممسوخة بالشر وزيف القيم . ومن هنا، تطفح قصص الكاتب بروح السخرية، والانتقاد البشع للواقع المغربي بصفة خاصة، والواقع العربي بصفة عامة ، كما في هذا المقطع القصصي الذي يوحي بالعبثية الساخرة، والسياسة الماكرة:” تصدع الجدار ثم انهار…وللوقوف على سبب الحادث حمل الخبراء”حجيرة” وبعض العينات من الركام إلى المختبر لدراسة هذه المواد المستعملة في البناء…” .
وتبلغ السخرية وقعها المأساوي في هذه القصة الموحية:” دعته الوكالة البنكية لتصفية حسابها معه….حمل ساطورا وصفى حسابه مع المدير…”
هذا، وتلتجئ الكاتبة الزهرة رميج كذلك إلى أسلوب المفارقة والسخرية الكاريكاتورية، لتعرية الواقع الكائن تشخيصا وتصويرا ورصدا، وانتقاده تعييرا وتحقيرا، وذلك لبشاعته، وحقارته، وفظاظته القيمية، وانحطاطه أخلاقيا واجتماعيا وإنسانيا، كما في قصة: ذوق”:” مل عالم المومسات الذي أدمنه زمنا طويلا.
أراد أن يتزوج امرأة صالحة.أصبح يواظب على مراقبة الفتيات المارات أمام المقهى.
أخيرا، عثر على ضالته. تبعها في تهيب، وقد قرر الكشف عن نيته.ما إن أصبح محاذيا لها، حتى بادرته هامسة:
لا أتجاوز ربع ساعة . والدفع مسبقا.هات المبلغ بسرعة، واتبعني عن بعد”.
وهكذا، تعتبر السخرية من أهم المكونات البلاغية للصورة القصصية القصيرة جدا؛ وذلك بسبب طاقتها التعبيرية والإيحائية والرمزية.
ومن جهة أخرى، ترتكز المفارقة على الجمع بين المتناقضات والمتضادات تآلفا واختلافا، كما تنـبني على التناقض الجدلي، وتنافر الظواهر والأشياء، وذلك في ثنائيات متعاكسة ومفارقة في جدليتها الكينونية والواقعية والتخييلية. وتعتمد كثير من نصوص القصة القصيرة جدا على عنصر المفارقة القائم على التضاد، والتقابل، والتناقض بين المواقف، أو التضاد بين ثنائية القولي والفعلي، والاعتماد على التعرية الكاريكاتورية، وتمثل الكروتيسك، وتشويه الشخصيات والعوالم الموصوفة والأفضية المرصودة، وذلك بريشة كوميدية، قوامها: التهكم ، والباروديا، والتهجين، والأسلبة ، والانتقاد، والهجاء. والمفارقة في الحقيقة هي:” عنصر من العناصر التي لاغنى عنها أبدا، وتعتمد على مبدإ تفريغ الذروة، وخرق المتوقع، ولكنها في الوقت ذاته ليست طرفة، وإذا كانت هذه القصة تضحك المتلقي، في بعض الأحيان، فإنها تسعى إلى تعميق إحساسه بالناس والأشياء، ولعل إيجاد المفارقة أن يكون أكثر جدوى في التعبير عن الموضوعات الكبيرة، كالعولمة والانتماء ومواجهة الذات.”
هذا، وتوظف الكاتبة المغربية السعدية باحدة المفارقة التاريخية، وذلك بطريقة ذكية ، تحير القارئ برموزها البعيدة والعميقة، كما في قصتها:” تهمة”:
” تصاعد الدخان من روما…اتهموا نيرون
ماكان نيرون بالكمان مفتونا…
ماكان عاقلا وماكان مجنونا…
اسألوا تاسيتوس فعنده الخبر اليقين:
إن روما هي التي أحرقت نيرون”
ونجد هذه المفارقة في قصص عز الدين الماعزي، كما في قصته الساخرة المفارقة:” قصص طويلة جدا”:”كلمته ابنته عبر الهاتف عن سر غيابه الطويل عن البيت…قال..إنه في ندوة ثقافية يشارك بقراءات قصصية قصيرة سيعود بعد ثلاثة أيام…
قالت…
كل هذه الأيام وأنت تقرأ القصص القصيرة جدا…؟؟”
يلاحظ أن الكاتب قد وظف في قصته المفارقة القصصية الإبداعية، وذلك عن طريق تشغيل الأضداد: طويلة جدا# قصيرة جدا، غيابه الطويل# قراءات قصصية قصيرة. وتوقع هذه المفارقة دلالات القصة ومضامينها الإبداعية في منطق الاستحالة، والتناقض غير المقبول عقليا.
وعليه، فالسخرية والمفارقة من المقومات الضرورية التي تنبني عليها القصة القصيرة جدا، بل هي التي تجعل من القصة القصيرة جدا فنا متميزا عن باقي الفنون الأدبية الأخرى.


 أهمية النص الموازي في القصة القصيرة جدا:


من المعروف أن المقدمة من أهم عناصر النص الموازي، ولها وظائف عدة، مثل: الوظيفة التوجيهية، والوظيفة التفسيرية، والوظيفة النقدية، والوظيفة التعريفية، والوظيفة التقريضية، والوظيفة التنظيرية…وقد تكون هذه المقدمة ذاتية أو غيرية. وقد شرع كتاب القصة القصيرة جدا في تصدير مجموعاتهم بمقدمات نقدية ذاتية ، كما نجد ذلك عند جمال بوطيب في مجموعته:” زخة…ويبتدئ الشتاء!!”، وهيثم بهنام بردى في مجموعته القصصية:” التماهي”، أو تصديرها بمقدمات غيرية ، كما هو حال مجموعة : يموتون وتبقى أصواتهم” للكاتب السوري عمران عز الدين أحمد ، وقد صدرها الكاتب بمقدمة نقدية للمغربي حسن البقالي، كما أعد يوسف حطيني مقدمة نقدية لمجموعة:” بروق” يعرف فيها بفن القصة القصيرة جدا تأريخا وتنظيرا واختيارا. وتتسم هذه المقدمات إما بكتابة انطباعية انسيابية إنشائية وتخييلية، وإما بكتابة نقدية موضوعية تعرف بالقصة القصيرة جدا، وتحلل نصوص المقدم له دلالة وشكلا ووظيفة.
ومن ثم، فما أحوجنا اليوم إلى هذه المقدمات الموازية للتعرف على شهادات المبدعين، وتبيان موقفهم من القصة القصيرة جدا، وكيف ينظرون إليها إبداعا ونقدا وتوثيقا!
ومن الأكيد أيضا أن العنوان عتبة ضرورية لفهم النص، وبنائه سيميائيا، والعنوان من العناصر الهامة في النص الموازي، وهو الإعلان الرئيسي الذي يقدم الكتاب. وللعنوان وظائف عدة، كالوظيفة الانفعالية، والوظيفة الجمالية، والوظيفة الأيقونية، والوظيفة الحفاظية، والوظيفة الثقافية، والوظيفة الوصفية، والوظيفة المرجعية، والوظيفة التأثيرية… بيد أن هناك أنواعا من العناوين التي تستخدم في القصة القصيرة جدا، فثمة عناوين تقريرية مباشرة تدل على مضامين الأضمومة بطريقة جزئية أو كلية، مثل:” أبراج” لحسن برطال و” ميريندا” لفاطمة بوزيان، و”مشاهدات” للحسن ملواني…، وعناوين رمزية موحية، وعناوين انزياحية مربكة لا علاقة لها بمتن المجموعة ، مثل:” وثابة كالبراغيث” لجمال الدين الخضيري، وعناوين تراثية:” ” حدثني الأخرس بن صمام “.


 القفلة في القصة القصيرة جدا:


هناك من كتاب القصة القصيرة جدا من يسير على نفس البداية والخاتمة، كأن يبدأ قصصه دائما بمقدمة استهلالية فضائية أو شخوصية أو حدثية ليس فقط، فينهي قصته القصيرة جدا بالقفلة نفسها: القفلة الفضائية أو الشخوصية أو الحدثية المغلقة. ويعني هذا أن ليس هناك تنويع في البدايات والنهايات. وفي هذا الصدد، يقول أحمد جاسم الحسين :”إن لبداية القصة القصيرة جدا وقفلتها خصوصية كبيرة؛ تنبع هذه الخصوصية من دورها أولا، ومن قصر عدد كلمات القصة القصيرة جدا ثانيا؛ إن الدور المنوط بهما كبير، فالبداية افتتاح للنص؛ واللبنة الأولى في المعمار، ولابد لهذه اللبنة أن تكون جاذبة للمتلقي، وموظفة بحيث تخدم عموم القصة، وهذا يتطلب خصوصية في انتقاء المفردة أو الجملة لتساهم مع سواها في تشكيل إيقاع القصة بعامة، خاصة أنه غير مطلوب منها أن تصف أو تقدم بمقدمات طويلة أو قصيرة، إن بعض المطلوب منها يتمثل في الإمساك بالمتلقي وشده. ويمكن لهذه البداية أن تكتسب مداليل جديدة مقارنة مع الخاتمة؛ فالمطلوب منهما معا أن يفتحا كثيرا من الأبواب المغلقة ؛ إذ لكل نص بداية وقفلة، لكن هاهنا يتصفان بشيء من السحر والجاذبية حيث تساهم القفلة مساهمة أكيدة في تحقيق الإدهاش الناتج عن إتمام المفارقة أو المفجأة …”
ويعني هذا أنه لابد للمبدع من تنويع بداياته ونهاياته ، كأن يستخدم – مثلا- بداية خارقة، أو بداية حالمة، أو بداية فضائية، أو بداية حدثية، أو بداية شخوصية، أو بداية شاعرية، أو بداية رمزية، أو بداية أسطورية، أو بداية تراثية…إلخ. أو يستخدم نهايات متنوعة، كالنهاية المفتوحة، والنهاية المغلقة، والنهاية الفضائية، والنهاية الساخرة، والنهاية الموحية، والنهاية الرمزية…إلخ.
وعلى وجه العموم، لابد أن تكون القفلة أولا متنوعة الأساليب والتراكيب والصيغ. وتكون ثانيا مفاجئة للقارئ، وثالثا، تكون مخيبة لأفق انتظار المتلقي. ورابعا، تكون مضمرة في شكل بياضات فارغة يملأها المتلقي بتأويلاته الإدراكية. وخامسا، تكون غامضة وموحية ورمزية، تستوجب من القارئ ممارسة لعبة الافتراض والتخييل والتوقع والاستكشاف…


 عوائق القصة القصيرة جدا:


كثير من كتاب القصة القصيرة جدا يكتبون قصصهم، وهم يحملونها بالعبر والمواعظ والحكم والنصائح، وذلك اقتداء بأخبار المواعظ في الموروث السردي العربي القديم. ومن ثم، فثمة فوارق فنية وجمالية بين الموعظة والقصة القصيرة جدا، فلابد لهذا الجنس الأدبي الجديد من الجمع بين الإخبار والفن، وبين الفائدة والمتعة الجمالية. ومن النماذج التي تتضمن النزعة التعليمية وخاصية الموعظة قصة:” الدين” للقاص السوري عمران عز الدين أحمد:”رأيته يرفع يده في السماء ويهوي بباطن كفه على صدغ أبيه. اقتحمت جمهرة الناس، اقتربت منه مؤنبا، فصدني أبوه وشلال من الدموع ينهمر على خديه: اتركه يابني، ففي هذا المكان وهذا التاريخ، صفعت أبي الذي كان قد صفع جدي قبلا.”
تقدم لنا هذه القصة القصيرة جدا موعظة دينية ونصيحة أخلاقية، كأن القصة القصيرة جدا قد تحولت إلى وسيلة للتهذيب والتخليق.وبذلك، فقدت رواءها الأدبي، وطابعها الفني والجمالي. وقد ذهب الأصمعي قديما إلى أن الشعر إذا دخل باب الخير، لان وضعف. كما تتميز القصة القصيرة جدا عن الشذرة التي تتسم بالمزاوجة بين الشعر والحكمة الفلسفية أو التأملية. في حين، إن القصة القصيرة جدا قصة وحكي، قبل أن تكون حكمة أو موعظة أو نصيحة أو شذرة.
هذا، وتتحول كثير من القصص القصيرة جدا إلى نص شاعري؛ بسبب الشاعرية المتخمة، وكثرة الجمل الإنشائية الانفعالية التي تلتقط الأحاسيس والمشاعر الذاتية، فتستعمل الصور المجازية بكثرة، إلى أن تتحول القصة إلى استعارة بلاغية كبرى، كما في قصة القاص السوري حياة أبو فاضل:” صداقتنا مذ خلع ألوان الخريف عن شجرة المشمش في حديقتنا.وقفت تحتها صغيرة، مأخوذة، شعري يصافح الورق الراقص والهواء البارد، وصوت أمي طائر من داخل البيت:” ادخلي، أو ضعي قبعتك على رأسك!” سمعتها وما سمعتها. كنت أعتقد عهد صداقة مع الشمالي الساحر القاسي.فكيف أخفي عنه شعري الطويل داخل جدران قبعتي؟”
تشبه هذه القصة قصيدة شعرية نثرية يتحكم فيها محور المشابهة والمجاز، ويتخللها نسيج شاعري ذاتي وانفعالي، يقرب القصة من عالم الشعر وخيوطه الخيالية.
ونجد الكاتب المغربي محمد فاهي يكتب قصة قصيرة جدا تحت عنوان:” أحمر أسود” ، كأنها قصيدة نثرية، فلولا ما كتب على الغلاف الخارجي :” قصص قصيرة جدا”، لقلنا: إنها قصيدة شعرية:
“مرة أخرى
أشاطرك الهجوم علي
برمح السياسة من قبل
وباسم اللسان من بعد
ولاذنب لي
سوى أنني لم أكن عبدك
ولن أصبح سيدك
أما دمي
فسألعقه بلساني
كي لايقطر قلمي
بالحبر الأسود وحده
فانظر أين أنت
بعد أن ينجلي الغبار.”
فهذا النص لا علاقة له بأي حال من الأحوال بالقصة القصيرة جدا؛ وذلك لعدم وجود القصصية والحكائية والتكثيف السردي. والآتي، أنها أقرب إلى قصيدة شعرية نثرية ليس إلا.
ويلاحظ أيضا أن كثيرا من كتاب القصة القصيرة جدا يعتقدون أنهم يكتبون جنسا أدبيا جديدا، بل هم يكتبون الخواطر بطريقة إنشائية شاعرية ، بعيدا عن مكونات النزعة القصصية والحكائية، كما في قصة:” ابتلاء” للقاصة المغربية مليكة بويطة:” ” حلمت، أن أغمض عيني، وأراك رحلت عني قبل أن يرتد إلى طرفي، أنا أحملك، والناس أثقلت كاهلهم، أنت أيها الداء، الكل يبحث لك عن دواء، وأنا من هذه الزاوية في الوراء، اخترقت جلدي وسكنته، كما يسكن الجان المصاب، دخلت قريتي ونشرت بها الفساد، وأكثرت النسل والأولاد، تسربت، تسربت المياه في الآبار، أطعمتك ورويت ظمأك بكل سيول الدموع، استضفتك فكنت لك كحاتم الطائي، فلا يوما نهرتك، ولا يوما أحرقتك، بل تحملت نظرات العيون، وإشارات الأصابع، ونظرات الرفق، وكنت دائما أقول: الضيف مهما طال مقامه لابد أنه راحل، فهل سوف تفارقني وترحل، أم تنتظر رحيلنا معا؟”
تتحول هذه القصة إلى أحلام وخواطر وانطباعات وجدانية، ترصد فيها الكاتبة أثر الابتلاء على نفسيتها الرقيقة، مستخدمة في ذلك لغة زئبقية شاعرية.
وعليه، فلابد من احترام أركان القصة القصيرة جدا، وهي: الحجم القصير جدا الذي لا يتعدى نصف صفحة، وتوظيف الحبكة السردية القصصية(مطلع، وعقدة، وصراع، وقفلة)، واستعمال فعلية الجملة، والتكثيف، والإضمار.


 التناص في القصة القصيرة جدا:


ثمة مجموعة من القصص القصيرة جدا حبلى بالمستنسخات التناصية، والنصوص الغائبة، والإحالات المعرفية الدالة على الذاكرة المنسية، ومختلف الترسبات، والمعرفة الخلفية بخطاطاتها الذهنية ومدوناتها الاصطلاحية. وهناك، في المقابل نصوص قصصية لغوية خالية من الإحالات التناصية، ومعدمة بفقرها. بينما يشترط في القصة القصيرة جدا الجمع بين المتعة والفائدة، و الإمتاع والإقناع ، وألا تبقى قصة بيانية إنشائية ، بل لابد أن تعضد بحمولات ثقافية ومعرفية.
هذا، وقد تعاملت القصة القصيرة جدا مع مجموعة من المستنسخات التناصية، ونذكر منها الأنواع التالية:
- المستنسخ الديني ، كما في قصص الحسين زروق ووفاء الحمري.
- المستنسخ الرقمي، كما عند فاطمة بوزيان في مجموعتها :”ميريندا”.
- المستنسخ العلمي ، كما يحضر في قصة: ” الخطيئة” لمصطفى لغتيري.
- المستنسخ الفلسفي، كما في مجموعة” مظلة في قبر” لمصطفى لغتيري.
- المستنسخ التاريخي ، كما في قصة :” تهمة” للسعدية باحدة.
- المستنسخ السياسي،كما في قصص حسن برطال.
- المستنسخ الأدبي، كما في قصة:” شاعر” لإبراهيم الحجري.
- المستنسخ الأسطوري، كما في قصة:” بروميثيوس” لعبد الله المتقي.
- المستنسخ الفني ، كما في قصة:” الإخراج والإدخال” لمحمد شويكة في مجموعته:”القردانية”.
أما عن آليات التعامل مع التناص، فنلاحظ أنواعا ثلاثة من آليات الاستنساخ:
1- الاستنساخ الحرفي.
2- الاستنساخ الوظيفي.
3- الاستنساخ الإبداعي.
وإذا تأملنا – مثلا – قصص الكاتب المغربي مصطفى لغتيري في مجموعته:” مظلة في قبر”، فإنها تصدر عن مرجعية ثقافية غنية بالمستنسخات والإحالات التناصية، ومعرفة خلفية زاخرة بالحمولات المعرفية الأدبية والفنية والعلمية، إذ استطاع الكاتب أن يصهرها في بوتقة سردية موحية، أحسن تحبيكها قصد إيصال رسالته المقصدية . وهذه الخاصية ، كما قلنا سابقا، هي التي تفرد مصطفى لغتيري عن باقي رواد القصة القصيرة جدا. ومن القصص التي تحمل طابعا ذهنيا وثقافيا، نذكر على سبيل التمثيل لا الحصر: بلقيس، والمومياء، وأبراهام ، وديانا، وعولمة، والخطيئة، ودخان أسود…. ويمتزج في كتاب مصطفى لغتيري التاريخ بالاقتصاد، والعلم بالأدب، والفن بالفلسفة. وهذا ما يؤشر على موسوعية الكاتب، وانسياقه وراء ماهو ذهني وثقافي. لذلك، يستوجب إبداعه متلقيا ضمنيا مثقفا، يستطيع أن يفك مستنسخات قصصه، ويحلل علاماته التناصية ، ويؤول رموزه اللغوية، ويستقرىء دواله المضمرة.
هذا، وتنبني القصة القصيرة جدا في أضمومة: ” تسونامي” لمصطفى لغتيري على توظيف التناص، وتشغيل المستنسخات النصية والمقتبسات المعرفية، واستخدام المعرفة الخلفية الداخلية والخارجية،من خلال استحضار الأعلام ، والنصوص اللاواعية، والأفكار المخزنة، والذاكرة المضمرة، والعبارات المسكوكة، والصيغ المأثورة، والحقول المعرفية ، وذلك عبر قنوات الامتصاص، والاستفادة، والحوار، والتفاعل النصي.
ويعد مصطفى لغتيري من القصاصين الذين يصدرون عن رؤية ذهنية ثقافية، يتحكم فيها التناص بشكل كبير ، من خلال توظيف مجموعة من الإحالات المعرفية التناصية التي تتمظهر في المؤشرات والمستنسخات التالية: أبو العلاء المعري، والكوميديا الإلهية، وبورخيس، ورسالة الغفران، وفان كوخ، ودانتي، والمعرة، وسارتر، وسيمون دي بوفوار، وزرادشت، ونيتشه، وبشار بن برد، وجورج واشنطن…


 البنية الفضائية في القصة القصيرة جدا:


يمكن القول بأن ثمة قصصا قصيرة جدا تتعامل مع الفضاء الزمكاني من منظور واقعي مرجعي، يوهم بالصدق والحقيقة والواقعية، وذلك لوجود مؤشرات زمنية ومكانية في غاية الضبط والدقة ، كما كنا نلاحظ ذلك بينا في الرواية أو القصة الواقعية، وذلك من خلال التركيز على تفصيلات مكانية وزمنية، معضدة بالوصف، والتعيين، والتحديد، والتأطير السياقي. وهناك قصص قصيرة جدا تنفلت من التقييدات الفضائية الواقعية بشكل من الأشكال. ومن جهة أخرى، هناك قصص قصيرة جدا تعتمد على فضاءات تخييلية وافتراضية ومجازية خارجة عن التحديد الواقعي المألوف للزمان والمكان، كما يظهر ذلك جليا في القصص الفانطاستيكية، وقصص الحيوان الرمزية، وقصص الشذرات، والقصص الشاعرية، والقصص التراثية، كما يتبين ذلك واضحا في هذه القصة التراثية، وهي تحت عنوان:” تمثيل”: ” أتيتُ الأخرس بن صمام مُقيماً الدليل على حُرْمة التمثيل.
قال ضاحكا منتشيا:
- آه، كم تحسن التمثيل !” .


 ملتقيات القصة القصيرة جدا ومهرجاناتها:


من المعروف أن ثمة مجموعة من الملتقيات الوطنية والعربية تعنى بالقصة القصيرة جدا إبداعا ونقدا وكتابة وتنظيرا. ومن بين هذه الملتقيات العربية، نذكر ملتقى دمشق الأول للقصة القصيرة جدا ما بين العاشر والثاني والعشرين من سنة 2000م، وقد حضره أكثر من خمسين قاصا وناقدا، واستمرت أمسياته وندواته على مدى عشرة أيام. وكان هناك أيضا الملتقى الثاني بين5و13 غشت2001م، واستضافه المركز الثقافي الروسي بدمشق، وحضره كذلك أكثر من خمسين قاصا وناقدا، وانعقد الملتقى الثالث ما بين 4و11من سنة 2002م، وقد اختيرت للقراءة بعض النصوص القصصية العالمية. وكان الملتقى الرابع أيضا في دمشق بالمركز الثقافي الروسي ما بين10و14 من سنة 2003م. ومن جهة أخرى، انعقد ملتقى حلب ما بين 17و20غشت من السنة نفسها. وقد قال يوسف الحطيني عن هذه الملتقيات السورية:” وعلى الرغم مما يقال حول الملتقيات، فإن ملتقى القصة القصيرة جدا يجمع العشرات من المبدعين، وهذه فرصة للقاء المثمر والفعال بين أدباء يمتدون على مساحة قطرنا العربي السوري، كما يجمع الجمهور، ويعرفهم بأساسيات هذا النوع الأدبي، ويعرفهم على نماذجه، ويسمح لهم بمواجهة النصوص بآرائهم، كما يسهم في تنشيط المشهد الثقافي في سورية، ولأن له كل هذه الفضائل، فلاشك أنه سيبقى ظاهرة مفيدة.
غير أن مشكلة القصة القصيرة جدا لاتحل بعدد الملتقيات، ولكنها ترتبط بقدرة القاص على الإبداع، وليس ثمة نوع أدبي جديد، وآخر رديء، ولكن ثمة نصا جيدا وآخر رديئا…إن ملتقيات القصة القصيرة جدا لاتزعم أنها تقدم إجابات نهائية للمتسائلين، لأن المشاركين فيها جميعا يزعمون أنهم في طور التجريب، وربما كان من المبكر الحكم على هذه التجربة، ونحن هنا لانطلب من المشككين بجدوى هذه التجربة أن يهللوا لها، ولكننا نطمح إلى أن يعطونا فرصة لتقول مالديها، وفي ظني أن المستقبل سيكون للتجديد؛ لأن الجديد من ضرورات الحياة ومتطلباتها.”
ويعد ذلك، انعقدت ملتقيات وطنية كثيرة بالمغرب حول القصة القصيرة جدا، ويلاحظ أن الصالون الأدبي الذي يترأسه مصطفى لغتيري هو الذي كان يسهر في البداية على تفعيل مهرجانات القصة القصيرة جدا، وتنشيطها إقليميا وجهويا ووطنيا ، فكان أول مهرجان للقصة القصيرة جدا بمدينة لفقيه بن صالح، فمدينة ورزازات، ثم مدينة بركان.وقد انعقد المهرجان الوطني الثاني للقصة القصيرة جدا مرة أخرى تحت إشراف الصالون الأدبي برئاسة مصطفى لغتيري ما بين 25و26 أبريل 2009 بمدينة الدار البيضاء ، وذلك بتعاون مع جمعية درب الغلف للتنمية…
هذا، وقد خصص ملتقى مشرع بلقصيري الوطني السادس للقصة القصيرة الذي انعقد أيام 8-9-10 ماي 2009م يوما كاملا للقصة القصيرة جدا، شارك في إثرائه نقديا الأساتذة التالية أسماؤهم: حميد لحمداني، وجميل حمداوي، وسلمى براهمة، وسعاد مسكين، ومحمد رمصيص، وعبد الهادي الزوهري.ومن حيث القراءة، فقد شارك في الملتقى كل من مصطفى لغتيري، وحسن برطال، وأحمد بوزفور، وعبد الحميد الغرباوي، والزهرة رميج، وأنس الرافعي، ومحمد تنفو، وليلى الشافعي، والسعدية باحدة، ومحمد سعيد الريحاني، والمصطفى لكليتي، وإسماعيل البويحياوي، وعز الدين الماعزي، وحسن البقالي، وحميد ركاطة، وصخر المهيف، وجبران الكرناوي، والطاهر لكنيزي، وصبيحة شبر، وإدريس الواغيش،…
وانعقد في مدينة بلفقيه بن صالح الملتقى العربي الأول للقصة القصيرة جدا امتد من 6 إلى 8مارس من سنة 2010م، وقد حضر فيه كثير من كتاب القصة القصيرة جدا من المغرب، والسعودية، وليبيا، واليمن، والعراق، وتونس… ونظمت جمعية جذور للثقافة والفن المهرجان الوطني الأول للقصة القصيرة جدا بخنيفرة ، دورة القاص عبد الحميد الغرباوي، وذلك أيام 08-09 و10 أبريل 2011 بقاعة الندوات بعمالة خنيفرة .وشارك فيها كل من: عبد الله المتقي ، وعبد الحميد الغرباوي، وأنيس الرافعي، ومصطفى لغتيري، وحسن البقالي، وحسن برطال، وزهرة رميج، والسعدية باحدة، وعزالدين الماعزي، والبشير الأزمي، ومصطفى كليتي، وكريمة دالياس، وحميد ركاطة، ومحمد معتصم، وإبراهيم أبويه، وعبد الكريم باكي، وعمر طاوس، ، وأوسعيد لحسن، وخديجة أبرنوس، ومحمد يوب، وسعيد بوعيطة، و بوعزة فتح الله، ومحمد عياش، و إسماعيل بويحياوي، ومحمد الشايب، ومحمد سعيد الريحاني، وصخر المهيف، ومحمد الحاضي، وأحمد السقال، والحبيب الدايم ربي، ونعيمة القضيوي الإدريسي، وصراض عبد الغني، وعبد الغفور خوى، ومحمد منير، وبوعزة الفرحان، ومحمد أكرض الوريني، وعبد الرحيم التدلاوي ، ومحمد محقق، ومحمد إدارغة، وخليفة بابا هواري، وعبد اللطيف الهدار، والمصطفى فرحات، و حميد لحميداني، ومحمد رمصيص ، وسعاد مسكين، و محمد أيت حنا، وعمر العسري …
ونظمت الجمعية المغربية للغويين والمبدعين الملتقى الوطني الأول للقصة القصيرة والقصة القصيرة جدا بمدينة ابن أحمد يومي 28/29 ماي 2011م، وقد شارك في هذا الملتقي كل من: أحمد بوزفور ، وعبد الحميد الغرباوي ، و حسن البقالي، وعبد الله المتقي، و عبد الواحد كفيح، و الزهرة رميج، و محمد فري، وصخر المهيف ، ونور الدين فاهي، و أحمد شكر، و السعدية باحدة، وإسماعيل البويحياوي، ومصطفى لغتيري، و كمال دليل الصقلي، وعبد الهادي لفحيلي، ومريم بن بخثة، و محمد معتصم ، وكريمة دلياس، و حسن برطال، وعبد السلام عبلة، وحسن بواريق، وعز الدين الماعزي، و الطاهر لكنيزي، و إدريس الواغيش، و محمد أكراد الورايني، و أحمد السقال، و محمد منير، و نعيمة القضيوي الادريسي، وحسن فرتيني، وعبد الغني صراض، و عبد الحميد ركاطة، و آيت حنا ، و الحاج قدور السوالي ، و الحسن علاج ، وعبد السميع بنصابر، وإبراهيم أبويه ، و عبد الغفور خوى.
ومن جهة أخرى، فقد انعقد الملتقى الوطني الأول للقصة القصيرة جدا بالناظور تحت إشراف جمعية جسور للبحث في الثقافة والفنون التي يترأسها الدكتور جميل حمداوي سنة 2011م، وانصبت الدراسة على أعمال كل من عبد الله المتقي، وعبد حميد ركاطة،وجمال الدين الخضيري، وشارك فيها بعض النقاد، مثل: الدكتور محمد أمحور، والدكتور عيسى الدودي، والدكتور نور الدين الفيلالي.
زد على ذلك، نذكر الأمسية التي أعدتها الجمعية المغربية للغويين والمبدعين بدار الشباب بوشنتوف حول القصة القصيرة جدا، وذلك يوم السبت 26يونيو 2010م. وقد شارك في هذه الأمسية كل من: الحبيب الدائم ربي، وحسن البقالي، وعبد الله المتقي، ومصطفى لغتيري، وإسماعيل البويحياوي، وحسن برطال، والسعدية باحدة، ومحمد منير، ومحمد فري، ومصطفى لهروب، وعبد الغفور خوى، وكريمة دالياس…
بيد أن القصة القصيرة جدا ستشهد عرسها البهيج في المهرجان العربي الأول الذي انعقد بالناظور ما بين 3و4 فبراير من سنة 2012م ، تحت رئاسة الدكتور جميل حمداوي، وإدارة جمال الدين الخضيري، وقد ضم أكثر من ستين قاصا ومبدعا وناقدا من المغرب والبلدان العربية الأخرى (تونس- العراق، -السعودية- ليبيا)، وحضره جمهور غفير . وقد كرم فيه بعض المبدعين والمثقفين ونقاد القصة القصيرة جدا. ونتمنى – بحول الله- أن يتحول هذا المهرجان العربي إلى مهرجان دولي في السنوات المقبلة.
وما يلاحظ على هذه الملتقيات أنها إرادات فردية أو جماعية، وللدولة فيها نصيب من المشاركة عن طريق الدعم والتمويل والمباركة والتشجيع، كما هو حال المهرجان العربي الأول للقصة القصيرة جدا الذي أشرفت عليه جمعية جسور للبحث في الثقافة والفنون بالناظور.بيد أن القصة القصيرة جدا لم يتم الاعتراف بها إلى حد الآن من قبل المؤسسات الجامعية والمعاهد الأكاديمية والتربوية ، إذ يعتبرونها عالة على القصة القصيرة، وأنها جنس أدبي لقيط، لا أبوة له ولا شرعية.


 القصة القصيرة جدا والترجمة:


لم تتبلور القصة القصيرة جدا في الوطن العربي إلا عن طريق المثاقفة، والترجمة، وتبادل المعارف والخبرات. وهكذا، فقد ترجم الباحث المصري فتحي العشري سنة 1971م كتاب:” انفعالات” لنتالي ساروت(Nathalie Sarraute)، وكان هذا العمل أول بادرة موثقة علميا بأوروبا لبداية القصة القصيرة جدا، وأصبحت هذه المحاولة نموذجا يحتذى به في الغرب . وترجمت كثير من القصص القصيرة جدا التي كتبت بإسبانيا وأمريكا اللاتينية ، كما يتضح ذلك جليا في مترجمات سعيد بنعبد الواحد وحسن بوتكى في كتابه:” بحثا عن الديناصور” .
هذا، وقد ترجمت في الملتقى الثالث للقصة القصيرة جدا ، ذلك الملتقى المنعقد بدمشق سنة 2002م ، نصوص قصصية قصيرة جدا لكتاب روس وأتراك وبلغاريين، كتشيخوف، وتورغنيف، وكريفين، وغورونتس، وكورانوف، وبيريستوف، وأركانوف من روسيا، وبيلين وكونستانتينوف من بلغاريا، وناظم حكمت وعزيز نسين وغيرهما من تركيا.أما الذين تولوا الترجمة فهم: ميخائيل عيد، وعدناس جاموس، وجمال درويش، ونبيل المجلي .
وترجمت كثير من القصص القصيرة جدا بالمغرب إلى اللغات الأجنبية، وخاصة إلى اللغة الإسبانية . ومن أهم الكتب التي صدرت بالمغرب في ترجمة قصيصات المغاربة، نذكر: كتاب: ” ندف النار” Copos de fuego (selección de microrrelatos españoles marroquies) ، والكتاب في الحقيقة عبارة عن مختارات من القصة القصيرة جدا في المغرب وإسبانيا، صدر عن منشورات البحث في القصة القصيرة جدا بالدار البيضاء سنة 2003م. ومن أهم الكتاب المغاربة الذين ترجمت نصوصهم إلى الإسبانية، نستحضر منهم: محمد إبراهيم بوعلو، ومحمد زفزاف، وأحمد زيادي، وزهرة زيراوي، والمهدي الودغيري، وعبد المجيد الهواس، وجمال بوطيب، ومصطفى جباري، وعبد الله المتقي، وسعيد الفاضلي، وسعيد بوكرامي، وعائشة موقيظ، ومحمد العتروس، وعبد العالي بركات، وسعيد منتسب، وعز الدين الماعزي، وتوفيق مصباح، ومحمد تنفو. كما ترجم كل من حسن بوتكى وسعيد بنعبد الواحد كذلك كتابا لأوغوستو مونتيروسو تحت عنوان:” النعجة السوداء وحكايات أخرى” سنة 2003م ، وترجما أيضا كتاب:” بحثا عن الديناصور” سنة 2005م، وهو عبارة عن قصص قصيرة جدا لكتاب أمريكا اللاتينية مترجمة من الإسبانية إلى اللغة العربية.
هذا، وقد ترجم المبدع المغربي البشير الأزمي مجموعة من القصص القصيرة جدا لبعض الكتاب المغاربة إلى اللغة الإسبانية، ونشرها في بعض المواقع الرقمية الإلكترونية، وهؤلاء الكتاب هم: مصطفى لغتيري، وحسن برطال، وحميد ركاطة، وعزيز بومهدي، وعز الدين الماعزي، وعبد الله المتقي.
وهكذا، فالقصة القصيرة جدا بالوطن العربي قد انتعشت بفعل الترجمة ، وازدهرت أيضا بفعل المثاقفة ، بيد أن ما يلاحظ جليا أن الترجمة المزدوجة أو المتعددة لغويا ماتزال ضعيفة جدا، ماعدا بعض المترجمات القليلة في سورية ومصر والمغرب(البشير الأزمي، وسعيد بنعبد الواحد، وحسن بوتكى، وميخائيل عيد، وعدناس جاموس، وجمال درويش، ونبيل المجلي…).لذا، فإن الحاجة اليوم ماسة وشديدة إلى عمليات مكثفة فردية وجماعية ومؤسساتية لتنشيط الترجمة من كلا الطرفين(العربي والأجنبي)، وذلك لإثراء فن القصة القصيرة جدا في الساحة الثقافية العربية بصفة خاصة، والساحة الثقافية العالمية بصفة عامة، مع تشجيع المبادرات والمساهمات الإبداعية والنقدية والتنظيرية والتطبيقية من قبل الطرفين معا.


 القصة القصيرة جدا ومشاكل النشر:


يعلم الكل بأن كثيرا من كتاب القصة القصيرة جدا يكتبون إبداعاتهم في الصحف الورقية من جرائد ومجلات، كما ينشرون إبداعاتهم في المنابر الرقمية والمواقع الإلكترونية، وذلك – أولا- من أجل إثبات وجودهم الكينوني والمعنوي. ومن جهة ثانية، بغية تحقيق التراكم الكمي والكيفي، مع استدراج مواقف الآخرين، واستصدار ملاحظاتهم القيمية ، وخاصة آراء القراء والنقاد التي يمكن التوصل إليها عبر الشبكات العنكبوتية والمواقع الافتراضية والرقمية. وثالثا، لأسباب مادية حيث نلاحظ أن الكثير من كتاب هذا الجنس الأدبي الجديد غير قادرين على النشر الورقي ؛ لوجود معوقات ومشاكل عدة تمنع المبدع من طبع أعماله الإبداعية ، وذلك على مستوى النشر والتوزيع والاستهلاك.لذا، يلتجئ هؤلاء إلى النشر الإلكتروني تارة، أو يميلون إلى النشر الصحفي تارة أخرى .ويترتب عن كل هذا أن أغلب المبدعين، وحتى النقاد منهم، يحبسون مجموعاتهم وأعمالهم الإبداعية والنقدية في أدراج المكتبات، ويتركونها في رفوفها إلى أن تتآكل وتتقادم مع مرور الزمن.لذا، آن الأوان لنشر هذه المجموعات والكتابات الوصفية والتقويمية، لكي يستفيد منها الآخرون بشكل من الأشكال. ومن جهة أخرى، نطالب المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية والخاصة بدعم الثقافة بصفة عامة، وثقافة الشباب بصفة خاصة ، وذلك بنشر هذه الأضمومات القصصية القصيرة جدا، مع توزيعها عربيا بشكل لائق، وتشجيعها ماديا ومعنويا وإعلاميا ، مع تنظيم لقاءات وندوات وموائد وملتقيات ومهرجانات ثقافية لدراستها تحليلا ونقدا وتوجيها.


 من هم أبرز رواد القصة القصيرة جداً في الوطن العربي؟


هذا السؤال صعب للغاية يحتاج إلى قراءة وتحليل ونقد عميق، ولكن يعلم الجميع أن هناك الكثير من المتميزين من كتاب القصة القصيرة جدا في العالم العربي، نستحضر من فلسطين مثلا: محمود علي السعيد، وفاروق مواسي، ويوسف حطيني… ونستدعي من سوريا: المبدع زكريا تامر، ونبيل جديد، ووليد إخلاصي، ومحمد الحاج صالح، وعزت السيد أحمد، وعدنان محمد، ونور الدين الهاشمي، وجمانة طه، وانتصار بعلة، ومحمد منصور، وإبراهيم خريط، وفوزية جمعة المرعي، وعمران عز الدين أحمد… ومن العراق : شكري الطيار، وإبراهيم سبتي، وبثينة الناصري،وخالد حبيب الراوي، وعامر هشام الصفار، ومجيد الناشي، وهيثم بهنام بردى الذي كتب مجموعات قصصية عدة ضمن هذا الفن الجديد كمجموعته “: حب مع وقف التنفيذ” سنة 1989م، و”الليلة الثانية بعد الألف” سنة 1996م، و”عزلة أنكيدو” سنة 2000م، و”التماهي” سنة 2008م، وقد جمع كل هذه المجموعات في كتاب بعنوان:” القصة القصيرة جدا: المجموعات القصصية 1989-2008م” ….
ونذكر من المغرب : جمال الدين الخضيري، ومصطفى لغتيري، وحسن برطال، وسعيد منتسب، وعبد الله المتقي، وعبد الحميد الغرباوي، والسعدية باحدة، والحسين زروق، وجمال بوطيب، وفاطمة بوزيان، ومحمد فاهي، ومحمد تنفو، وإسماعيل البويحياوي، وعز الدين الماعزي، و محمد إبراهيم بوعلو، وسعيد بوكرامي، وأنيس الرافعي، ومحمد عز الدين التازي، وحسن البقالي …
ومن تونس، نستدعي الكاتب الروائي والقصاص المقتدر إبراهيم درغوثي الذي كتب مجموعة من النصوص القصصية القصيرة جدا، وذلك في عدة مواقع رقمية كقصصه :” حب مجانين” في موقع:” أدب فن” …
ومن الجزائر، نذكر عبد القادر برغوث الذي كتب مجموعة من النصوص القصصية القصيرة جدا في عدة مواقع رقمية، ولاسيما في موقع :”إيلاف” …
ومن المملكة العربية السعودية، نستحضر كلا من : حسن بن علي البطران في مجموعته:” نزف من الرمال” ، وفهد الخليوي في مجموعتيه:” رياح وأجراس” ، و” مساء مختلف” ، وفهد المصبح في مجموعته:” الزجاج وحروف النافذة” ، وسهام العبودي في مجموعتيها:” خيط ضوء يستدق” ، و” ظل الفراغ” ، وشيمة الشمري في مجموعتيها:” ربما غدا” و” أقواس ونوافذ” ، وخالد المرضي الغامدي في مجموعتيه:” ضيف العتمة” ، و” عبق النافذة” …. ونذكر من مصر : شريف عابدين ، ونستدعي من الأردن: بسمة النسور صاحبة مجموعة:” خاتم في مياه بعيدة” ، ومن الكويت ليلى العثمان، وهيفاء السنعوسي ، ويوسف خليفة …ونستحضر من ليبيا جمعة الفاخري …


 خصوصيات الكتابة النسائية في مجال القصة القصيرة جدا:


من الأكيد أن فن القصة القصيرة جدا هو فن رجولي بامتياز تنظيرا وتطبيقا، على الرغم من وجود بدايات نسائية كما هو الحال في العراق، حيث كانت بثينة الناصري رائدة في مجال القصة القصيرة جدا بالوطن العربي ، فقد كتبت في مجموعتها القصصية :” حدوة حصان” الصادرة عام 1974م قصة سمتها:” قصة قصيرة جدا”. وبعد هذه التجربة ، ظهرت مجموعة من الأصوات النسائية التي تهتم بالقصة القصيرة جدا إبداعا ونقدا وبحثا ودراسة ، وقد فرضت هذه الأصوات القصصية نفسها – فعلا- في الساحة الثقافية العربية بشكل من الأشكال، وخاصة الناقدة المغربية سعاد مسكين التي تميزت بكتابها القيم:” القصة القصيرة جدا في المغرب: تصورات ومقاربات” . ومن بين هذه المبدعات والناقدات الأخريات اللواتي ارتبطن بفن القصة القصيرة جدا إبداعا ونقدا، نذكر: لبانة مشوح، وجمانة طه، ومية الرحبي، ودلال حاتم، وسعاد مكارم، وسلوى الرفاعي، وابتسام شاكوش،وهيمى المفتي، ووفاء خرما، وشذا برغوث، وعبير إسماعيل، وأميمة علي، وندى الدانا، وإيمان عبيد، وابتسام الصالح،وأمل حورية، وميا عبارة،وسوسن علي، وأمينة رشيد، وسها جودت، وحنان درويش، ومحاسن الجندي، وليما دسوقي، وحسنة محمود، وجمانة طه، وضياء قصبجي، وليلى العثمان، وفاطمة بوزيان، والسعدية باحدة، والزهرة رميج، وشيمة الشمري، وبديعة بنمراح، وبسمة النسور، ووئام المددي، وسهام العبودي، وحياة بلغربي، وكريمة دلياس، وأمينة الإدريسي،ومليكة الغازولي، ومية ناجي، وهيفاء سنعوسي، ومليكة بويطة، وسناء بلحور، ووفاء الحمري، وزليخا موساوي الأخضري، وفاطمة بوزيان، وزهرة الزيراوي، ومليكة الشجعي، ولبنى اليزيدي، وحبيبة زومي، ونوال الغنم، وسعاد أشوخي، ولطيفة معتصم، وعائشة موقيظ، ومريم بن بخثة، ونعيمة القضيوي الإدريسي، وسلمى براهمة…
ونلاحظ أن هذه الأسماء الكثيرة إن دلت على شيء، فإنما تدل على مشاركة المبدعة أو الناقدة لأخيها المبدع أو الناقد في إثراء القصة القصيرة جدا بالوطن العربي مشرقا ومغربا.
هذا، وتتميز الكتابة النسائية القصصية القصيرة جدا بالمقارنة مع الكتابة الذكورية بمجموعة من السمات والخصائص، ومن بين هذه المميزات على المستوى الدلالي: طرح موضوع جدلية الذكورة والأنوثة عبر محوري الصراع والتعايش، والتركيز على البيت والأسرة والتربية برصد التناقضات المتفاقمة، وتبيان نسيج العلاقات البنيوية المتحكمة في الأسرة سلبا وإيجابا، وخاصة على المستوى التفاعل السيكواجتماعي والقيمي والإنساني، والانطلاق من الذات الشعورية واللاشعورية في التعامل مع الظواهر الحياتية ، بغية تحقيق التواصل الإنساني، والتفاعل مع منطق الأشياء، والارتكان إلى أعماق الداخل الوجداني في معالجة القضايا الذاتية والموضوعية، و استنطاق السيرة الذاتية والأنا، والتركيز على المكبوتات الواعية واللاواعية في استعراض المشاكل الداخلية والذاتية، والاهتمام بالطفولة التي تعد فرعا أساسيا للأمومة، ورصد الواقعين: الذاتي والموضوعي بكل تناقضاتهما الإنسانية والتشييئية. علاوة على الاهتمام بجسد المرأة الجمالي والإيروسي والشبقي، و العزف على نغمة الحب وإيحاءاته الواقعية والرومانسية والجنسية، واستعمال الخطاب العاطفي والوجداني والانفعالي، مع الإكثار من البكائية الحزينة والمواقف التراجيدية، والاهتمام بالتخييل الحلمي والرومانسي ، وذلك على حساب فظاظة الواقع، ومرارته الشديدة، والبحث عن السعادة المفقودة تلذذا وانتشاء، والتطلع إلى الزواج المثالي الطوباوي. ولا ننسى كذلك التغني بالسأم، واليأس، والملل، والداء، والألم، والقلق الوجودي، ورصد الهموم الذاتية والموضوعية، وانتقاد المرأة المغرورة والمتبجحة انتقادا شديدا.
أما على الصعيد الفني والجمالي، فيلاحظ استعمال الكتابة الذاتية في شكل ذكريات شاعرية، وخواطر إنشائية حلمية، واستحضار ضمير المتكلم بشكل مكثف، والاسترسال في الكتابة الشاعرية والانفعالية، وتخطيب الكتابة بالمنولوج التأملي، وتوظيف الرؤية الداخلية أو الرؤية ” مع”، واستخدام أسلوب السخرية والمفارقة في إطار الصراع الجدلي مع الرجل، والاستعانة بالكتابة الرقمية الافتراضية في توصيل الرسائل الذاتية والعاطفية، وتوظيف الفانطاستيك لرصد التحولات الامتساخية البشعة ، إذ تتحول الكائنات الإنسانية (الرجل على سبيل الخصوص) إلى حيوانات ماكرة وخادعة ، ثم تؤول إلى ذوات مشوهة ممسوخة عضويا ونفسيا وقيميا. بالإضافة إلى استعمال الكتابة الحلمية والرومانسية في التعبير الذاتي، وتبليغ الرؤى والمقاصد المباشرة وغير المباشرة، والسقوط في بعض الأحيان في التقريرية والمباشرة في معالجة قضايا الذات والموضوع، وتعطيل علامات الترقيم في الكتابة القصصية، كما يتضح ذلك جليا عند المبدعة المغربية فاطمة بوزيان، وذلك استرسالا وانسيابا وتدفقا، بغية تحقيق أهداف فنية وجمالية وتعبيرية، والتميز بخاصيتي التجريد والغموض الفني (الزهرة الرميج- مثلا-).
وعليه، فلقد حققت الكتابة النسائية بالوطن العربي شأوا كبيرا في مجال القصة القصيرة جدا قصة وخطابا ورؤية، سواء أكان ذلك على مستوى التخطيب الفني والجمالي أم على مستوى انتقاء القضايا الجادة والمصيرية، والتعبير عنها بواسطة كبسولة قصصية قصيرة جدا . وإذا كان الإبداع النسائي في مجال القصة القصيرة جدا، قد فرض نفسه بإلحاح، وأصبح ظاهرة أدبية لافتة للانتباه، فإن النقد النسائي العربي في مجال القصة القصيرة جدا ما يزال في هذا المجال متعثرا بالمقارنة مع النقد الذكوري المطرد. وعلى الرغم من ذلك، يمكن استثناء بعض الأصوات النقدية المتميزة عربيا، كسعاد مسكين، وسلمى براهمة ، ولبانة مشوح، وفاطمة بن محمود…


 القصة القصيرة جدا بين التنظير التعليمي والتطبيق النقدي:


انصبت دراسات كثيرة على فن القصة القصيرة جدا بالتعريف، والتعليم، والدراسة، والتحليل، والنقد، والتقويم، والتوجيه. ومن أهمها : كتاب أحمد جاسم الحسين:”القصة القصيرة جدا” ، وكتاب محمد محيي الدين مينو:” فن القصة القصيرة، مقاربات أولى” ، وكتاب يوسف حطيني: “القصة القصيرة جدا بين النظرية والتطبيق” ، وكتاب عبد الدائم السلامي:” شعرية الواقع في القصة القصيرة جدا” ، وكتب جميل حمداوي:”القصة القصيرة جدا بالمغرب: المسار والتطور” ، و”القصة القصيرة جدا عند الكاتب السعودي حسن علي البطران” ، و” القصة القصيرة جدا بالمغرب: قراءة في المتون” ، وكتاب عبد العاطي الزياني:” الماكروتخييل في القصة القصيرة جدا بالمغرب” ، وكتاب سعاد مسكين:”القصة القصيرة جدا في المغرب: تصورات ومقاربات” ، وكتاب جاسم خلف إلياس:” شعرية القصة القصيرة جدا” ، وكتاب نور الدين الفيلالي في كتابه:” القصة القصيرة جدا بالمغرب” ،دون أن ننسى الدراسات والمقالات الأدبية المهمة التي دبجها كثير من الدارسين العرب، وخاصة حسن المودن في مقاله القيم” :شعرية القصة القصيرة جدا” المنشور في عدة مواقع رقمية إلكترونية كدروب والفوانيس … ، و جميل حمداوي في كثير من مقالاته حول القصة القصيرة جدا كتابة ونقدا وتوثيقا، مثل:” تطور القصة القصيرة جدا بالمغرب” ، و” القصة القصيرة جدا: تاريخها وفنها ورأي النقاد فيها” ، و” القصة القصيرة جدا فن المستقبل” ، وحسين علي محمد في” :القصة القصيرة جدا، قراءة في التشكيل والرؤية” ، والدكتور يوسف حطيني في” القصة القصيرة جدا عند زكريا تامر ” ، و إبراهيم سبتي في”:محنة القصة القصيرة جدا ” ، وثائر العذاري في:” شعرية القصة القصيرة جدا” ، وعبد الله المتقي في: ” القصة القصيرة جدا بالمغرب: مواقف ورؤى” ، ورشيد كرمة في:” القصة القصيرة جدا” ، وعمران عز الدين أحمد في:”مقاربة حول أدب القصة القصيرة جدا” ،علاوة على مقالات، وببليوغرافيات ، وأنطولوجيات ، ودراسات أخرى منشورة هنا وهناك ، ولاسيما المقالات التي تناولت القصة القصيرة جدا بمقاربات تجنيسية وتاريخية وفنية .
هذا، وقد أعدت أيضا ملفات متكاملة وشاملة ركزت على فن القصة القصيرة جدا ، وذلك بغية التعريف بهذا الفن الوليد، وتقويمه سلبا وإيجابا، وتوجيه كتابه توجيها صحيحا، مثل: الملف الذي أعده الباحث المغربي عبد الله المتقي حول القصة القصيرة جدا بالمغرب، وقد نشر بمجلة “مجرة” سنة 2008م .


 الهيئة العربية لنقاد القصة القصيرة جدا:


ظهرت الهيئة العربية لنقاد القصة القصيرة جدا بالمغرب في سنة 2011م، وذلك تحت رئاسة الناقد والمنظر الدكتور جميل حمداوي، وتهتم هذه الهيئة بالقصة القصيرة جدا تنظيرا وتطبيقا وتوجيها، وتسعى جادة لتنظيم ندوات وملتقيات ومهرجانات خاصة تتعلق بهذا الفن المستحدث في وطننا العربي، من خلال الجمع بين المبدعين والنقاد لتدارس وضعية هذا الإبداع المستجد تأريخا ونقدا وتحليلا وتفكيكا ، مع توجيه المبدعين بشكل من الأشكال إلى الوجهة الفنية الصحيحة، من خلال رصد العوائق التي تواجه كتاب القصة القصيرة جدا ، وذلك على المستوى الدلالي والفني والجمالي والمقصدي. ومن ثم، تضم الهيئة مجموعة من خيرة نقاد العرب في فن القصة القصيرة جدا. وبالتالي، وما تزال الهيئة تحاول إلى حد الآن ضم مجموعة من النقاد والمبدعين إلى صفوفها، وستتوسع– إن شاء الله- لتضم أصواتا قصصية ونقدية جديدة ، وذلك في المهرجان العربي الثاني للقصة القصيرة جدا الذي سينعقد بالناظور في شهر فبراير2013م.


تركيـب واستنتاج:


وخلاصة القول: تلكم نظرة مقتضبة حول مجموعة من الإشكاليات والقضايا المتعلقة بالقصة القصيرة جدا، وذلك باعتبارها فنا أدبيا مستحدثا في ساحتنا الثقافية العربية الحديثة والمعاصرة. وقد تناولنا في هذه الدراسة مجموعة من القضايا المحورية ، كقضية التجنيس، وقضية الاعتراف والمشروعية ، وتحديد بدايات القصة القصيرة جدا، وخاصة في سورية، والتركيز على بعض خصوصيات هذا الجنس الأدبي على مستوى المكونات الداخلية (التناص، والقفلة، والعنوان، والمقدمة، والسخرية، والمفارقة)، دون نسيان بعض عوائق القصة القصيرة جدا مثل: السقوط في الموعظة والحكمة، وعدم التفريق بين القصة القصيرة جدا والشعر والخاطرة والحلم والشذرة. كما أشرنا إلى مشكل نشر القصص القصيرة جدا طبعا وتوزيعا واستهلاكا. وبعد ذلك، تناولنا بعض رواد القصة القصيرة جدا، مع التركيز على خصوصيات الكتابة النسائية، والإشارة إلى الكتابات النقدية والتعليمية التي تعنى بالقصة القصيرة جدا. وكانت لنا وقفة أخرى مع مترجمات القصة القصيرة جدا، ومع ملتقياتها ومهرجاناتها، وكانت لدينا كذلك وقفة خاصة مع الهيئة العربية لنقاد القصة القصيرة جدا.


الهوامـــش:


– انظر: بحثا عن الديناصور: مختارات من القصة القصيرة جدا في أمريكا اللاتيية، ترجمة: سعيد بنعبد الواحد وحسن بوتكى، مجموعة البحث في القصة القصيرة بالمغرب، معهد سربانتيس بالدار البيضاء، الطبعة الأولى 2005م، ص: 94.
2 – انظر : بحثا عن الديناصور: مختارات من القصة القصيرة جدا في أمريكا اللاتيية، صص:26-148.
3- إبراهيم السبتي: (محنة القصة القصيرة جدا)، مجلة الحوار المتمدن، مجلة رقمية، العدد:1562، بتاريخ:26-05-2006م.
4- انظر:الدكتور أحمد جاسم الحسين: القصة القصيرة جدا، دار عكرمة، دمشق، سوريا، الطبعة الأولى سنة 1997م.
5 – د.يوسف حطيني: نفسه، صص:25-38.
6 – د.يوسف حطيني: القصة القصيرة جدا بين النظرية والتطبيق، مطبعة اليازجي، دمشق، الطبعة الأولى سنة 2004م،ص:41.
7 – سليم عباسي: البيت بيتك، مطبعة اليازجي، دمشق، سوريا، الطبعة الأولى سنة 2001م.
8 – د.يوسف حطيني: نفسه، ص:70.
9 – انظر : مجلة Quimera، عدد:211-211، صص:25-34.
10- انظر: بحثا عن الديناصور، مختارات من القصة القصيرة جدا في أمريكا اللاتينية، ترجمة: سعيد بنعبد الواحد وحسن بوتكى، منشورات مجموعة البحث في القصة القصيرة بالمغرب،الطبعة الأولى سنة 2005م، ص:13.
11- كونثيبثيون باضوس تريا: ( الحالة الراهنة لفن القصة القصيرة جدا في أمريكا اللاتينية)، مجلة Quimera، عدد:112-212، صص:35-38.
12- لاورو زافالا: (ست قضايا خاصة بالقصة القصيرة جدا)، الجنس الأدبي للألفية الثالثة، الندوة الدولية حول القصة القصيرة جدا، مكسيكو، 1998م.
13- جمال الدين الخضيري: فقاقيع، دار التنوخي لنشر والتوزيع، الرباط، الطبعة الأولى سنة 2010م، ص:76.
14- جمال الدين الخضيري: نفسه، ص:73.
15- جمال الدين الخضيري:نفسه، ص:78.
16- جمال الدين الخضيري:نفسه، ص:86.
17- جمال الدين الخضيري: نفسه، ص:87.
18- مصطفى لغتيري: تسونامي، دار القرويين، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 2008م، ص:26.
19- حسن برطال: أبراج، منشورات اتحاد كتاب المغرب، الطبعة الأولى 2006م، ص:66.
20- حسن برطال: أبراج، ص:28.
21- الزهرة رميج:عندما يومض البرق، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 2008م، ص:57.
22- د.يوسف حطيني: نفس المرجع، ص:35.
23- السعدية باحدة: وقع امتداد …ورحل،، مطبعة القرويين، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 1996م، ص:77.
24- عزالدين الماعزي: حب على طريقة الكبار، مطبعة وليلي، مراكش، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2006م، ، ص:34.
25- أحمد جاسم الحسين: القصة القصيرة جدا، دمشق، سورية، الطبعة الأولى سنة 1977م، ص:48.
26- عمران عزالدين أحمد: يموتون وتبقى أصواتهم، دار التكوين، دمشق، بيروت، سوريا ولبنان، الطبعة الأولى سنة 2010م، ص:56.
27- حياة أبو فضل: حياة، قصص قصيرة وقصص قصيرة جدا، شركة رياض الريس للكتب والنشر، بيروت، لبنان.
28- محمد فاهي: ضفائر الغابة، أزمنة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى سنة 2008م، ص:17.
29- مليكة بويطة: الحلم والحقيقة، قصص، مطبعة IMBH بآسفي، الطبعة الأولى سنة 2007م، ص:12.
30- جمال الدين الخضيري: حدثني الأخرس بن صمام ، مجموعة جديدة قيد الطبع .
31- د.يوسف حطيني: القصة القصيرة جدا بين النظرية والتطبيق، مطبعة اليازجي، دمشق، سورية، الطبعة الأولى سنة 2004م، صص:71-72.
32- مجموعة البحث في القصة القصيرة جدا: بحثا عن الديناصور، مختارات من القصة القصيرة جدا في أمريكا اللاتينية،ترجمة: سعيد بنعبد الواحد وحسن بوتكى، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، ابن مسيك، الدار البيضاء، الطبعة الأول سنة 2005م
33- د.يوسف حطيني: القصة القصيرة جدا بين النظرية والتطبيق، ، صص:96.
34- أوغوستو مونتيروسو: النعجة السوداء وحكايات أخرى، ترجمة: حسن بوتكى وسعيد بنعبد الواحد، مجموعة البحث في القصة القصيرة بالمغرب، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 2003م.
35- هيثم بهنام بردى: القصة القصيرة جدا: المجموعات القصصية(1989-2008م)، مطبعة تموز رند، دمشق، سوريا ، الطبعة الأولى سنة 2011م.
36- إبراهيم درغوثي: (حب مجانين)، موقع أتحاد كتاب الإنترنت العرب، موقع رقمي، http://www.arab-ewriters.com/?action=ShowWriter&&id=247
37- عبد القادر برغوث: (قصص قصيرة جدا)، موقع إيلاف، موقع رقمي، بتاريخ:26-12-2006م.
38- حسن بن علي البطران: نزف من تحت الرمال، صدرت بالمملكة العربية السعودية في طبعتها الأولى سنة 2009م.
39- فهد الخليوي: رياح وأجراس، النادي الأدبي بحائل، السعودية، الطبعة الأولى سنة 2008م.
40- فهد الخليوي: مساء مختلف، النادي الأدبي بالرياض، السعودية، الطبعة الأولى سنة 2011م.
41- فهد المصبح: الزجاج وحروف النافذة، نادي القصة السعودي بالجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون، الرياض، الطبعة الأولى سنة 2002م، 50 صفحة.
42- سهام العبودي: خيط ضوء يستدق، المكتبة الوطنية ، الأردن، الطبعة الأولى سنة 2004م.
43- سهام العبودي: ظل الفراغ، دار المفردات، السعودية، الطبعة الأولى سنة 2009م.
44- شيمة الشمري: ربما غدا، نادي المنطقة الشرقية الأدبي، الطبعة الأولى سنة 2009م.
45- شيمة الشمري: أقواس ونوافذ، دار المفردات للنشر والتوزيع، الرياض، السعودية، الطبعة الأولى سنة 2011م.
46- خالد المرضي الغامدي: ضيف العتمة، النادي الأدبي بالباحة، السعودية، الطبعة الأولى سنة 2010م.
47- محمد البشير: عبق النافذة، دار الكفاح للنشر، الدمام، السعودية، الطبعة الأولى سنة 2008م.
48- بسمة النسور: خاتم في مياه بعيدة، التنوخي للطباعة والنشر، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2009م.
49- د.هيفاء السنعوسي: إنهم يرتدون الأقنعة! وقصص أخرى، منشورات مكتبة سلمى الثقافية، تطوان، الطبعة الأولى سنة 2007م.
50- يوسف خليفة: أفكار عارية، دار الفارابي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى سنة 2007م.
51- جمعة الفاخري: حبيباتي، مداد للطبع والنشر، طرابلس، ليبيا، الطبعة الأولى سنة 2009م.
52- د.سعاد مسكين: القصة القصيرة جدا في المغرب: تصورات ومقاربات، دار التنوخي للطبع والنشر، الرباط، الطبعة الأولى سنة 2011م.
53- أحمد جاسم الحسين: القصة القصيرة جدا، منشورات دار عكرمة، دمشق، سورية، الطبعة الأولى سنة 1997م.
54- محمد محيي الدين مينو: فن القصة القصيرة جدا، مقاربات أولى، منشورات مدرسة الإمام مالك الثانوية، دبي، الإمارات العربية المتحدة، الطبعة الأولى سنة 2000م.
55 – ذ.يوسف حطيني: القصة القصيرة جدا بين النظرية والتطبيق، مطبعة اليازجي، دمشق، سورية، الطبعة الأولى سنة 2004م.
56- عبد الدائم السلامي: شعرية الواقع في القصة القصيرة جدا، منشورات أجراس، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 2007م.
57 – د.جميل حمداوي: القصة القصيرة جدا بالمغرب: المسار والتطور، مؤسسة التنوخي للطبع والنشر والتوزيع، آسفي، الطبعة الأولى سنة 2008م.
58- د.جميل حمداوي: خصائص القصة القصيرة جدا عند الكاتب السعودي حسن علي البطران، دار السمطي للنشر والإعلام، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى سنة 2009م.
59- د.جميل حمداوي: القصة القصيرة جدا بالمغرب: قراءة في المتون، منشورات مقاربات، آسفي، الطبعة الأولى سنة 2009م.
– د. عبد العاطي الزياني: الماكروتخييل في القصة القصيرة جدا بالمغرب، منشورات مقاربات، سلسلة بحوث المجلة، الطبعة الأولى سنة 2009م.
– د.سعاد مسكين: القصة القصيرة جدا في المغرب: تصورات ومقاربات، التنوخي للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، الطبعة الأولى سنة 2011م.
60- جاسم خلف إلياس: شعرية القصة القصيرة جدا، دار نينوى، دمشق، سورية، الطبعة الأولى سنة 2010م.
61- د.نور الدين الفيلالي: القصة القصيرة جدا بالمغرب، شركة مطابع الأنوار المغاربية، وجدة، الطبعة الأولى سنة 2012م.
62- د.حسن المودن: (شعرية القصة القصيرة جدا)، موقع الفوانيس، مجلة رقمية مغربية، بتاريخ:31-12-2006م.
63- د.جميل حمداوي: (تطور القصة القصيرة جدا بالمغرب)، مجلة التجديد العربي، مجلة رقمية، عرض المقال بتاريخ:11-04-2007م.
64- د.جميل حمداوي: (القصة القصيرة جدا: تاريخها وفنها ورأي النقاد فيها)، مجلة الأدب الإسلامي،السعودية، العدد:63، 2009م، صص:4-14.
65- د.جميل حمداوي: (القصة القصيرة جدا فن المستقبل) ، مجلة الكويت، الكويت، العدد222،يونيو2011م، ص: 74-75.
66 – حسين علي محمود: (القصة القصيرة جدا، قراءة في التشكيل والرؤية)، من ورقة ألقيت بقسم الأدب بكلية اللغة العربية بالرياض(السعودية)، يوم السبت:26-04-2003م.
67- د.يوسف حطيني: (القصة القصيرة جدا عند زكريا تامر)، الأسبوع الأدبي، العدد:77،بتاريخ:06-10-2001م.
68 – إبراهيم السبتي: (محنة القصة القصيرة جدا)، مجلة الحوار المتمدن، مجلة رقمية، العدد:1562، بتاريخ:26-05-2006م.
69- ثائر العذاري: (شعرية القصة القصيرة جدا)، مجلة دروب، مجلة رقمية، عرض فيها المقال بتاريخ: 25-12-2007م.
70- عبد الله المتقي: (القصة القصيرة جدا: مواقف ورؤى)، مجلة ديوان العرب، مجلة رقمينة، بتاريخ:16نوفمبر2006م.
71- رشيد كرمة: (القصة القصيرة جدا)، جريدة عراق الغد، العراق، بتاريخ29-09-2007م.
72- عمران عزالدين أحمد: (مقاربة حول أدب القصة القصيرة جدا)، مجلة أفق الرقمية، بتاريخ: 07-05-2005م.
73- أبو شامة المغربي: (ببليوغرافيا القصة القصيرة جدا في المملكة العربية السعودية)، المجلة الثقافية، مجلة رقمية، بتاريخ:الاثنين15شوال 1427هـ، الموافق لـ6نوفمبر2006م؛ وانظر كذلك ببليوغرافيات جميل حمداوي: (ببليوغرافية القصة القصيرة جدا بالمملكة العربية السعودية)، مجلة أبعاد، السعودية، العدد السابع، سبتمبر 2010م، و( القصة القصيرة جدا بالسعودية: التاريخ والببليوغرافيا )، مجلة الرافد، الشارقة، الإمارات العربية المتحدة، العدد:155، يوليوز 2010م.
74- جميل حمداوي وعيسى الدودي: أنطولوجيا القصة القصيرة جدا بالمغرب، شركة مطابع الأنوار المغاربية، وجدة، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2011م.
75- انظر الملف القيم الذي أعده عبد الله المتقي حول القصة القصيرة جدا ، مجلة مجرة، العدد:13، مطبعة دار البوكيلي، القنيطرة، المغرب، خريف 2008م .